إنجيل لوقا الإصحاح ١ – ميلاد يوحنا المعمدان
أولاً. مقدمة لإنجيل لوقا
الآيات الأربع الأولى هي عبارة عن جملة واحدة متصلة في الأصل اليوناني، ومكتوبة بأسلوب اكاديمي كلاسيكي عالي الثقافة. أما بالنسبة لبقية الإنجيل، لم يستخدم لوقا لغة العلماء والمثقفين ولكنه استخدم لغة الرجل العادي، لغة القرية والشارع. وكأنه يخبرنا: “لهذا الأنجيل كل المؤهلات الأكاديمية والعلمية المناسبة. ولكنه مكتوب لرجل الشارع.” كتب لوقا هذا الإنجيل كي يفهم الناس يسوع المسيح، وليس ليعجب الناس بعقله ومهاراته الأدبية.
١. الآيات (١-٢) سرد للروايات المسبقة من حياة يسوع المسيح.
١إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي ٱلْأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، ٢كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ.
أ ) كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ: كتب لوقا إنجيله عالماً أن الكثيرين سبق ودونوا قصصاً تحكي عن حياة وتاريخ يسوع المسيح. قد تكون هذه إشارة إلى انجيلي مرقس ومتى (معظم الناس يعتقدون أن أنجيل يوحنا كُتب بعد أنجيل لوقا)، وقد تشير أيضاً إلى السِيّر الاخرى عن يسوع المسيح والتي لم تكن مستوحاة مباشرة من الروح القدس.
1) يدعي بعض الباحثين أن كتابات حول يسوع المسيح لم تظهر إلا بعد جيلين أو ثلاثة من موته على الصليب. ولكن حسب خبير البردى الألماني كارستن ثيد (في ديسمبر ١٩٩٤) قال أننا نملك فعلاً نسخاً من انجيل متى على مقربة من الوقت الذي عاش به يسوع المسيح. وتستند اكتشافات ثيد على تحليل دقيق لخط اليد للمخطوطات التي اكتشفت مؤخراً.
ب) فِي ٱلْأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا: الكتابات التي سبق ذكرها تحتوي بالفعل على أمور مألوفة كان يؤمن بها الناس زمن لوقا. فعندما كتب لوقا أنجيله، كان يعرف الجميع كل شيء عن حياة يسوع المسيح، ليس من كلام التلاميذ عنه فحسب، بل من السير الذاتية التي سبق وكُتبت.
1) عندما استخدم لوقا كلمة “عندنا“، فهو يضع نفسه مع المجتمع المسيحي الذي آمن وقبل الروايات عن حياة يسوع المسيح. كان لوقا رفيق بولس الرسول في رحلاته التبشيرية (أعمال الرسل ١٠:١٦-١١، تيموثاوس الثانية ١١:٤، فليمون ٢٤:١)، كما وأطلق بولس عليه اسم “ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ” (كولوسي ١٤:٤). كان لوقا طبيباً وبالتالي هو رجل علم وبحث، وهذا ينعكس بوضوح في طريقة الكتابة عن تاريخ حياة يسوع المسيح.
2) كان لوقا أممياً. تُظهر لنا الآيات في كولوسي ١٠:٤-١١ و ١٤:٤ أنه لم يكن يهودياً، لأنه لم يكن مدرجاً مع الذين من الختان. وهذا ما يجعل لوقا فريداً لأنه الوحيد من كُتاب العهد الجديد الذي كان أممي.
3) أعطى الرب هذا الكاتب الأممي الوحيد شرفاً عظيماً، لأنه كتب أيضاً أعمال الرسل (والذي يشكل الجزء الثاني من إنجيل لوقا)، كتب لوقا أكبر جزء من العهد الجديد من أي كاتب آخر (على افتراض أن بولس لم يكتب الرسالة إلى العبرانيين).
ج)كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ: يخبرنا لوقا أن القصص السابقة عن حياة يسوع المسيح كانت مبنية على أقوال شهود العيان.
1) “ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ”كانوا بلا شك الرسل (التلاميذ) الذين كانوا مع يسوع المسيح منذ البداية. ولكن ربما يشير هنا أيضاً إلى اشخاص مثل مريم نفسها، وعلى الأرجح كان قد قابلها لوقا أثناء بحثه عن معلومات من حياة يسوع المسيح.
2) كتب لوقا لعالم القرن الأول الذي كان يعيش حسب شعار: “إذا كان ما تفعله يشعرك بالارتياح، فافعله.” كان العالم آنذاك، كما اليوم، يتوق لما تقدمه المسيحية: الإيمان المبني على الحقائق.
٢. الآيات (٣-٤) يسرد لوقا الأسباب وراء كتابة إنجيله.
٣رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ ٱلْأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، ٤لِتَعْرِفَ صِحَّةَ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.
أ ) رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا: لم يكن لوقا شاهد عيان للأحداث في بداية خدمة يسوع المسيح. مع ذلك نجده يضع نفسه على نفس الخط مع شهود العيان الذين عاشوا مع يسوع المسيح وكتبوا عنه (مثل متى ومرقس)، لأن كتاباته استندت على بحث دؤوب ودقيق للأحداث.