إِنْجِيلُ يُوحَنَّا – الأصحاح ١٢
قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ
أولاً. عَشَاءً في بَيْتِ عَنْيَا
أ ) الآيات (١-٢): لعازر يأكل ومرثا تخدم
١ثُمَّ قَبْلَ ٱلْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ ٱلْمَيْتُ ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ٢فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ.١.ثُمَّ قَبْلَ ٱلْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ: قدم لنا يوحنا علامة زمنية يخبرنا فيها أن هذا كان الأسبوع الأخير قبل موت يسوع ودفنه. وقد كرس يوحنا نصف إنجيله تقريباً ليتحدث عن هذا الأسبوع الأخير، وخصص متى أكثر من ٣٣٪ من إنجيله لتغطية هذا الأسبوع، ومرقس ما يقرب من ٤٠ ٪، ولوقا أكثر من ٢٥ ٪ – أي سبعة أيام لوصف حياة يسوع بأكملها.
٢.فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً: قبل أقل من أسبوع من صلبه، حضر يسوع مأدبة عشاء في بَيْتِ عَنْيَا وعلى الأغلب احتفالاً بلعازر ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ومن الرائع أن يسوع تمكن من حضور هذا العشاء رغم كل الذي يشغل باله ورغم علمه بمصيره القادم في أورشليم في عيد الفصح. فمعظم الناس لن يشعروا برغبتهم في الاختلاط بأحد إن عرفوا مصيرهم المحتوم.
- “ما كان ليزعج مضيفيه بالانعزال شفقة على النفس على طاولة العشاء. فمن الواضح أن سبب الوليمة كان الاحتفال بقيامة لعازر، كما هو مذكور في الآيتين ١ و٢.” ماكلارين (Maclaren)
- فَصَنَعُوا لَهُ: تشير هذه الكلمات أن أهل ذلك البيت صنعوا وجبة العشاء تقديراً ليسوع لأنه أقام لعازر من الموت.
٣.وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ:يبدو أن هذا العشاء كان في منزل سِمْعَانَ ٱلْأَبْرَصِ (متى ٦:٢٦ ومرقس ٣:١٤). وكان أصدقاؤه مرثا ولعازر ومريم من المدعوين أيضاً. ولأن مَرْثَا تبدو أنها هي المضيفة، يعتقد البعض أن سمعان الأبرص كان قريب مريم ومرثا ولعازر أو أنه كان ربما زوج مرثا. وإن كان هذا العشاء وفقاً للتقاليد السائدة، فسيقام العشاء على شرف رجال القرية وستقوم مرثا والنساء الأخريات بالخدمة.
- من السهل أن نتخيل مرثا تقدم أفضل الأطباق أولاً إلى يسوع، وتضغط عليه ليتناول المزيد والمزيد من الطعام. فقد كانت ممتنة جداً وسعيدة جداً لخدمة يسوع. وكانت خدمتها موضع تقدير واحترام.
- “لا يذكر يوحنا، كما يفعل كل من مرقس ومتى، أن المضيف في بيت عنيا كان سمعان الأبرص. فالمُضيف في قصة لوقا ٧، سِمْعَانُ ٱلْفَرِّيسِيِّ، يختلف عن سمعان المذكور في إنجيل مرقس، وهذه المعلومة أكيدة إلى حد بعيد. فاِسم ’سمعان‘ من الأسماء اليهودية الشائعة للغاية.” تاسكر (Tasker)
- “والسبب وراء هذا التناقض هو أن الأناجيل الإزائية (السينوبتيّة) وضعت العشاء قبل يومين فقط من عيد الفصح. فالأناجيل الأربعة أقحمت قصة هذه الوليمة لإظهار الدافع الأساسي وراء تصرف يهوذا، وهكذا تجاهلوا التسلسل الزمني المتبع.” دودز (Dods)
ب) الآية (٣): مريم تمسح قدمي يسوع
٣فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَٱمْتَلَأَ ٱلْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ ٱلطِّيبِ.١.فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ: قدمت مريم هدية رائعة إلى يسوع أثناء العشاء. لم يكن من غير المألوف أن تًغسل أقدام أحد الضيوف، ولكن كان من غير المألوف القيام بذلك أثناء الوجبة نفسها، وأن يستخدم طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ للقيام بذلك، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، أي استخدمت شعرها لتنشيف شعره.
- كانت عطية مريم تدل على تواضعها الملحوظ. فقد جرت العادة عندما يدخل الضيف إلى البيت، أن تُغسل قدميه بالماء ويمسح رأسه بنقطة من الزيت أو العطر. ولكننا نرى هنا أن مريم تستخدم هذا العطر الثمين وتمسح قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، واعتبرت أن عطرها الكثير الثمن لا يصلح إلا لقدميه: “كانت مهمة غسل الأرجل من مهام أبسط العبيد. فتصرف مريم إذا دل على شيء فإنه يدل على تواضعها الكبير وتفانيها.” موريس (Morris)
- كانت عطية مريم متطرفة بشكل ملحوظ. فقد استخدمت كمية كبيرة (مَناً – أي نصف كيلو) مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ. وكانت المطيبات والزيوت كثيراً ما تستخدم كنوع من الاستثمار بسبب حجمها الصغير وسهولة حملها وبيعها. وقد خمن يهوذا أن هذا الطيب كان بِثَلَاثَمِئَةِ دِينَار (يوحنا ٥:١٢)، ما يعادل أجر العامل لسنة كاملة.
- كانت عطية مريم جريئة بشكل ملحوظ. فهي لم تقدم عطية باهظة الثمن فحسب، بل مَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا أيضاً. وهذا يعني أنها أسدلت شعرها أمام الجميع، وهو أمر نادراً ما تفعله امرأة يهودية.
- طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ: “وصف كل من يوحنا ومرقس هذا الطيب ’بستكوس‘ (pistikos) (مرقس ٣:١٤). ومن الغريب أنه لا أحد حتى يومنا الحاضر يعرف على وجه التحديد ما هو معنى الناردين (بستكوس). وهناك أربعة احتمالات: قال البعض أنها أتت من أصل كلمة ’بستوس‘ الذي معناها الأمين والجدير بالثقة، أي الذي لا غش فيه. وقال آخرون إنه يأتي من فعل (pinein) في اليونانية الذي يعني أن يشرب، وهذا يعني أن ذلك الطيب كان سائلاً. وقال غيرهم إن الكلمة تشير إلى علامة تجارية كانت مشهورة في ذلك الوقت، حتى أنها لا يجب أن تترجم ببساطة إلى ’بستك نارد (pistic nard).‘ وهناك من قال بأنها مشتقة من كلمة ’بستاشيو (الفستق pistachio)‘ وأن الطيب كان مستخرجاً منه. على أية حال، كان هذا العطر ثميناً نادراً.” باركلي (Barclay)
- “كان باهظ الثمن، ولكنه لم يكن ثميناً بما فيه الكفاية ليدهن به. كان هناك نصف كيلو منه، ولكن هذه الكمية غير كافية بالنسبة له. كانت رائحته حلوة جداً، ولكنها لم تكن بهذه الحلاوة مقارنة به.” سبيرجن (Spurgeon)
- “والأمر الأكثر مدعاة للدهشة هو أن تحل امرأة يهودية شعرها وترخيه أمام أعين الكل. فهذا الأمر، على ما يبدو، كان علامة على أن المرأة سيئة السمعة. ولكن مريم لم تكترث برأي الناس. لقد أحبت ربها كثيراً وأرادت أن تعبر عن محبتها له بهذا العمل الجميل والمؤثر.” موريس (Morris)
- تعتبر مريم درساً رائعاً للتفاني ليسوع. “حياة مريم مرسومة أمامنا في ثلاث صور لا تنسى، وفي كل منها كانت عند قدمي يسوع.” إيردمان (Eerdman)
- لوقا ٣٩:١٠ جلست مريم عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه.
- يوحنا ٣٢:١١ خَرَّتْ مريم عند قدمي يسوع وسلمت أمرها له.
- يوحنا ٣:١٢ مسحت مريم قدمي يسوع وكرمته.
- “ينبغي أن تجلس عند قدميه لكي تدهنها، وعليه أن يسكب من تعليمه الإلهي عليك لكي تتمكن من سكب الطيب الثمين عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢.فَٱمْتَلَأَ ٱلْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ ٱلطِّيبِ: إن استخدام حاسة الشمّ يشير أن الذكريات دامت لفترة طويلة مع يوحنا وأنه تذكّر كيف امتلأ البيت من رائحة الطيب الذي سكبته مريم.
ج ) الآيات (٤-٦): اعتراض يهوذا على عطية مريم الثمينة
٤فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ ٱلْإِسْخَرْيُوطِيُّ، ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: ٥«لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا ٱلطِّيبُ بِثَلَاثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟». ٦قَالَ هَذَا لَيْسَ لِأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِٱلْفُقَرَاءِ، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً، وَكَانَ ٱلصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ.١.فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ ٱلْإِسْخَرْيُوطِيُّ، ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: كان يهوذا سيخون يسوع بعد فترة وجيزة. كانت خيانته أكثر قتامة عند مقارنتها مع لمعان تفاني مريم ليسوع. فقد اعترض يهوذا على عطية مريم على الأغلب لأنه شعر بالخجل من محبتها البسيط والقوي.
- هذا هو المكان الوحيد في العهد الجديد الذي ذُكر فيه أن يهوذا قام بعمل شرير آخر غير خيانة يسوع، وحتى هذا تم في الخفاء. أخفى يهوذا بنجاح ظلمة قلبه من الجميع ما عدا يسوع. فكثيراً ما تكون المظاهر خدّاعة، وكثيرون يظهرون بمظهر التدين ليخفوا خطية دفينة.
- “كان سيبيع مخلّصه. وكانت مقايضة منصفة لأنه، وكما قال أوستن (Austin): باع يهوذا خلاصه واشترى الفريسيون عقابهم.” تراب (Trapp)
٢.لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا ٱلطِّيبُ بِثَلَاثَمِئَةِ دِينَارٍ: كانت تلك لحظات محرجة. ثم كسر يهوذا الصمت معبراً عن إنزعاجه من قيمة المبلغ الذي الذي تم هدره، ولم يقدر ما ثمنه الله، وبرأيه كانت هذه المحبة والبذل ليسوع كان زائداً عن الحد.
- “انتقد يهوذا الذي كان مشغولاً بمصلحته الشخصية ما فعلته المرأة، وكشف هذا عن مقاومته المباشرة لعمل روح الرب نفسه.” مورغان (Morgan)
- كان رأيه المنتقد لما رآه إسرافاً مُعدياً. إذ يظهر متى ٨:٢٦ أن يهوذا لم يكن المعترض الوحيد، ويبدو أن آخرين شعروا أنه كان على حق أيضاً. “ما رأوه لابد وأن تسببت في صمت محرج وجيز، وهذا الصمت كُسر عندما سمعوا صوتاً يعبر عن مشاعر الكثيرين.” بروس (Bruce)
- يتحول هذا التفكير، في بعض الأحيان، إلى مبرر لكل أنواع البذخ والترف في إدعاء ممن يزعمون أنهم يخدمونه ويقولون أن يسوع يستحق كل غالٍ ونفيس. ونلاحظ أن هذا العمل كان موجهاً نحو يسوع مباشرة، وليس نحو أي من التلاميذ. ونلاحظ أيضاً أنه سُكب في حركة واحدة، وليس على شيء كعمل فني يمكن بيعه لصالح الفقراء أو لامتداد الملكوت.
٣.قَالَ هَذَا لَيْسَ لِأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِٱلْفُقَرَاءِ، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً، وَكَانَ ٱلصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ: نفترض بحق أن يوحنا لم يعلم في ذلك الوقت أن يهوذا كَانَ سَارِقاً، فهذا كان مخفياً عن التلاميذ. ومع ذلك، نفترض بحق أن يسوع كان يعلم أن يهوذا كَانَ سَارِقاً ومع ذلك عينه أميناً للصندوق.
- تخبرنا الآيات في لوقا ٢:٨-٣ أن بعض النساء كن يُسَاعِدْنَ يسوع وتلاميذه بِأَمْوَالِهِنّ، وكانت مهمة يهوذا أن يحافظ على تلك الأموال ويديرها.
- “من الطبيعي عندما يمتلئ الإنسان من الجشع والأنانية أن يتخلى تماماً عن أي شي صادق، ولا عجب إذا بدا منظر المحبة المضحية حماقة بالنسبة له.” ماكلارين (Maclaren)
- “الكلمة اليونانية المترجمة ’بستازيين (bastazo)‘ تعني يَحْمِلُ ويرفع.‘ وفعل يهوذا كلا الأمرين!” تاسكر (Tasker). “تحمل كلمة (ἐβάσταζεν) معنى أن ’يسلب‘ أو ’ينتشل شيئاً ما ويهرب‘ وهو أمر لا خلاف عليه.” دودز (Dods)
- “أتى الفعل ’يَحْمِلُ‘ في صيغة الماضي الناقص، مظهراً أنه اعتاد أن يحمل ويسرق من الصندوق.” ترينش (Trench)
- ربما بسبب جشع وسخط يهوذا استطاع الشيطان أن يتسلل إلى حياته. “انتبهوا من السخط. فقد كانت تلك خطية الشيطان التي أدت إلى طرده من الجنة. ومنذ ذلك الحين، وهذه الروح الهائجة تحب أن تصطاد في المياه العكرة.” تراب (Trapp)
- وفقاً للتسلسل الزمني، خرج يهوذا في اليوم التالي وأبرم صفقة مع القادة الدينيين لخيانة يسوع وبيعه بثلاثين قطعة من الفضة (متى ١٤:٢٦-١٦، مرقس ١٠:١٤-١١). “الانطباع السائد أن يهوذا حينما رأى أنه فقد أحد موارده، سارع لإيجاد مصدر آخر للرزق.” موريس (Morris)
د ) الآيات (٧-٨): يسوع يدافع عن مريم ويشرح ما فعلته.
٧فَقَالَ يَسُوعُ: «ٱتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، ٨لِأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ».١.ٱتْرُكُوهَا!:إذا كنا غارقين في حب يسوع، فلن ينتقدنا يسوع، ولكن هذا ما فعله يهوذا بالتحديد. فمن الأفضل بكثير أن تكون مثل مريم (التي أحبت يسوع بشدة) من أن تكون مثل يهوذا (الذي انتقاد الآخرين بسبب محبتهم الشديدة ليسوع).
٢.إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ: وكما أنه الاعتراض على مصاريف أي جنازة يعتبر أمراً غير لائق، هكذا كان تصرف يهوذا أو أي شخص آخر يحدد سعراً لمحبة مريم وتفانيها نحو يسوع بينما كان لا يزال على قيد الحياة.
- ” النفقات غير العادية في الجنازات لا تعتبر بالأمر غير اللائق؛ فلماذا قد يعترض أحدهم إن تم سكب الطيب (المخصص أساساً لدهن الجثة عندما يحين الوقت)، على الشخص وهو على قيد الحياة ليُعرب عن امتنانه للمحبة التي أدت لهذا العمل؟” بروس (Bruce)
- نقرأ في مرقس ٩:١٤ «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا ٱلْإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ، تَذْكَاراً لَهَا». “لا يذكر البشير الذي سجل هذا الوعد اسم مريم؛ أما يوحنا، فيذكر الاسم ولكنه لا يسجل الوعد. لا يهم إن ذكرت أسماؤنا أم لا، طالما أن يسوع قد حفرها على قلبه.” ماكلارين (Maclaren)
- ربما عبر يوحنا عما قاله مرقس في ٩:١٤ عندما كتب عن رائحة الطيب التي ملئت البيت. “ثمة قول رباني مأثور يقول: ’تنتشر رائحة الطيب الزكية من غرفة النوم إلى قاعة الطعام في حين ينتشر الاسم الجيد في كل بقاع الأرض.” موريس (Morris)
هـ) الآيات (٩-١١): التخطيط لقتل كل من يسوع ولعازر
٩فَعَلِمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ أَنَّهُ هُنَاكَ، فَجَاءُوا لَيْسَ لِأَجْلِ يَسُوعَ فَقَطْ، بَلْ لِيَنْظُرُوا أَيْضاً لِعَازَرَ ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ١٠فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً، ١١لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ.١.فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً: كان معظم رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ من الصدوقيين الذين لم يؤمنوا بالقيامة. فوجود لعازر يثبت أنه توجد حقاً حياة بعد الموت، مما سبب الاحراج لنظامهم الديني، ولهذا لم يكن أمامهم سوى حل واحد لهذه المشكلة المحرجة: أن يَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً.
- “أي جنون هذا أن تحمل سلاح ضد السماء نفسها! وأن تسعى لقتل رجل، فقط لأن الله أحياه بعد الموت!” تراب (Trapp) “يعرض هذا الاقتراح الشيطاني الاسترسال الصارخ في خطية عدم الإيمان.” دودز (Dods)
- “عندما يكره الإنسان المسيح، سيكره أيضاً أولئك الذين باركهم، وسيذهب لأبعد الحدود لإسكاتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- “كم كان هؤلاء الرجال عمياناً كي يدركوا أن من أقامه بعد موت دام أربعة أيام، قادر أن يقيمه ثانية حتى وإن قتلوه ألف مرة؟” كلارك (Clarke)
٢.لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ: هذا زاد من حدة المشكلة بالنسبة لرؤساء الكهنة. فمعجزة إقامة لعازر من بين الأموات جذبت كَثِيرِينَ للإيمان بيسوع. ولهذا قرر هؤلاء القادة الدينيين أن على لعازر أن يقتل أيضاً.
- يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ: “هذا التعبير ’يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ‘ قد يكون له علاقة بمفهوم الساميّة، بمعنى “كانوا يؤمنون على نحو متزايد بيسوع.” بروس (Bruce)
ثانياً. الدخول الانتصاري
أ ) الآيات (١٢-١٦): الجموع تهتف مرحبة بيسوع كالملك القادم
١٢وَفِي ٱلْغَدِ سَمِعَ ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ ٱلَّذِي جَاءَ إِلَى ٱلْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ١٣فَأَخَذُوا سُعُوفَ ٱلنَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!». ١٤وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ١٥«لَا تَخَافِي يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِساً عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ». ١٦وَهَذِهِ ٱلْأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تَلَامِيذُهُ أَوَّلاً، وَلَكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ، حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ.١.وَفِي ٱلْغَدِ سَمِعَ ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ ٱلَّذِي جَاءَ إِلَى ٱلْعِيدِ:كانت أورشليم في عيد الفصح تكتظ بأكبر عدد من الوافدين لأنه من أكبر الأعياد. والكثيرون منهم كانوا يأتون من الجليل ومعهم حملانهم. ووفقاً للشريعة اليهودية كان على خروف الفصح أن يعيش مع العائلة لمدة ثلاثة أيام على الأقل قبل ذبحه (خروج ٣:١٢-٦). فعندما جاء يسوع ودخل أورشليم، كانت حملان التقدمة تحيط به وبالجميع.
- يخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه في سنة من السنوات وصل عدد الذبائح التي قدمت من الحملان في العيد إلى ما يزيد على ربع مليون ذبيحة. وبعبارة أخرى، وبسبب هذا الكم الهائل من الحملان التي لا بد أنها كانت تساق عبر مدينة أورشليم طوال اليوم، لا بد وأن يسوع رأى كل تلك الحملان تحيط به عندما دخل المدينة، كونه هو نفسه أعظم حمل.” بويس (Boice)
٢.فَأَخَذُوا سُعُوفَ ٱلنَّخْلِ:“تجمع الكثير من الناس (ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ) وكأنهم في استعراض وطني. فسعوف النخل كانت رمزاً للقومية اليهودية منذ عهد المكابيين. فقد نظر الجمع إلى يسوع كمخلص سياسي ووطني، ولكنهم لم يروه كمخلص روحي أبداً.
- “لقد استقبلوا يسوع كملك، رغم جهلهم بطبيعته الملوكية. ويبدو أنهم نظروا إليه كقائد قومي محتمل، الذي سيساعدهم على الاستقلال التام عن القوى الأجنبية.” تاسكر (Tasker)
- “اُستخدمت سُعف النخيل كرمز وطني منذ زمن المكابيين. وقد زينت سعوف النخيل الموكب الذي احتفل بإعادة تكريس الهيكل في العام ١٦٤ ق.م. (مكابيين الثاني ٧:١٠) ومرة أخرى عندما فازوا بالاستقلال السياسي التام تحت قيادة سمعان في العام ١٤١ ق.م. (مكابيين الأول ٥١:١٣). وظهرت سعف النخيل في وقت لاحق، كرموز وطنية على العملات التي صنعها ثوار يهوذا خلال الثورتين الأولى والثانية ضد روما (٦٦-٧٠ م. و١٣٢-١٣٥).” بروس (Bruce)
٣.«أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ!»: رحبت الجموع الغفيرة المتحمسة بيسوع هاتفين بكلمات المزمور ٢٥:١١٨-٢٦. ومعنى كلمة أُوصَنَّا: “خلص الآن” فقد استقبلت الجموع يسوع في هذا اليوم بصفته المسيا المنتصر.
٤.وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ: فعل يسوع هذا كتحقيق للنبوة (زكريا ٩:٩) وكعرض لطبيعة الملكوت السماوي. كان ملكوته روحياً وليس عسكرياً، وجاء في سلام لا ليصنع حرباً.
- “الرجل المحارب لا يمتطي الجحش عادة. فهو حيوان لاستخدام رجل مسالم أو الكاهن أو التاجر أو ما شابه. وقد يستخدمه أيضاً شخص ذو أهمية ولكن لأغراض سلمية. أما القائد المنتصر، فكان يدخل المدينة على حصان الحرب أو ربما سيراً على الأقدام متقدماً جيشه. أما الجحش فيشير إلى السلام.” موريس (Morris)
- “لم يأتِ يسوع كمنتصر بل كرسول السلام. وركب على حمار، وليس على حصان ملوكي، كشخص عادي في رحلة عمل.” تيني (Tenney)
٥.مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!: هذا دليل على أن الحشد عندما هتف ’خلص الآن‘ كان يفكر بخلاص سياسي من الاضطهاد الروماني. ومع ذلك، يبدو أن الرومان لم يخافوا من هذا الملك المزعوم الذي جاء دون جيوش أو حتى أي رموز مقبولة للسلطة.
- “إن ’ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ‘ تمثل مدينة أورشليم؛ وظهرت هذا اللقب عدة مرات في العهد القديم، خاصة في كتابات آخر الأنبياء.” تيني (Tenney)
ب) الآيات (١٧-١٩): انزعج القادة لأن ٱلْجَمْعُ سار وراء يسوع
١٧وَكَانَ ٱلْجَمْعُ ٱلَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ ٱلْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ١٨لِهَذَا أَيْضاً لَاقَاهُ ٱلْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هَذِهِ ٱلْآيَةَ. ١٩فَقَالَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «ٱنْظُرُوا! إِنَّكُمْ لَا تَنْفَعُونَ شَيْئاً! هُوَذَا ٱلْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!».١.لِهَذَا أَيْضاً لَاقَاهُ ٱلْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هَذِهِ ٱلْآيَةَ:كانت الجماهير تحب يسوع لأنهم اعتقدوا أن قيامة لعازر من الأموات تثبت أنه المسيا المنتصر الذي يتوقون إليه.
- “فالقادر على إقامة رجل ميت من الأموات يستطيع حتماً أن يخلص المدينة المقدسة من نير قيصر.” بروس (Bruce)
٢.هُوَذَا ٱلْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!: كانت شعبية يسوع مهينة بالنسبة لأعدائه، وجعلتهم يشعرون إنَّ خِطَتَهم لا تُحَقِّقُ شَيْئاً (إِنَّكُمْ لَا تَنْفَعُونَ شَيْئاً!). ومن المفرح بالنسبة لنا أن نرى أعداء يسوع محبطين هكذا.
- “كان كلام الفريسيون مبالغاً فيه بالتأكيد، ولكن جملتهم ’هُوَذَا ٱلْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ‘ (يوحنا ١٩:١٢)، ككلمات قيافا في يوحنا ٥٠:١١، كانت نبوة من غير قصد ومن غير وعي.” تاسكر (Tasker)
- “كانوا قلقين من تأثر عدد قليل من اليهود. ولكن كلماتهم عبرت عن قناعة يوحنا بأنه كان سيحتل العالم فعلاً.” موريس (Morris)
ثالثاً. قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ
أ ) الآيات (٢٠-٢٣): لقاء اليونانيين مع يسوع
٢٠وَكَانَ أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي ٱلْعِيدِ. ٢١فَتَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ إِلَى فِيلُبُّسَ ٱلَّذِي مِنْ بَيْتِ صَيْدَا ٱلْجَلِيلِ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ». ٢٢فَأَتَى فِيلُبُّسُ وَقَالَ لِأَنْدَرَاوُسَ، ثُمَّ قَالَ أَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ لِيَسُوعَ. ٢٣وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا قَائِلاً: «قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ».١.وَكَانَ أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي ٱلْعِيدِ: لا نعرف خلفية هؤلاء اليُونَانِيُّينَ. قد يكونوا يونانيين اعتنقوا الديانة اليهودية، وقد يكونوا يونانيين يخافون الله ويحترمون الديانة اليهودية ولكنهم لم يعتنقوها بالكامل ولم يختتنوا. وقد يكونوا مجرد سياح يونانيين المعروفين بحب المغامرة والفضول.
- “لقد سمعنا الكثير عنه، ونود أن نرى الشخص الذي سمعنا عنه كل هذه الأشياء الغريبة. فالخلاص النهائي للروح غالباً ما يبدأ من شرارة حب الفضول البسيطة. وكثيرون يرغبون فقط أن يروا أو يسمعوا الشخص الذي يتكلم كثيراً عن يسوع وعن معجزاته وعن رحمته، وعندما يسمعون يشعرون بقوة العالم الآتي، ويتغيرون ويؤمنون بحقائق الإنجيل.” كلارك (Clarke)
- “في هذه المناسبة بالذات، ربما تحرك فضول اليونانيون عن يسوع لأن الجميع كان يتكلم عنه. ولكن قد يكون هناك سبب آخر. فبين الآيات ١٩ و٢٠ كان قد مر يوم أو يومين: فيسوع لم يعد مسافراً على الطريق إلى أورشليم، بل كان يُعلم يومياً في الهيكل. وفي غضون ذلك، ووفقاً لإنجيل مرقس ١٥:١١-١٧، كان يسوع قد طرد التجار والصيارفة من ساحة الهيكل الخارجية، لكي تستخدم الساحة للغاية التي رتبها الله: لِأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلَاةِ يُدْعَى لِكُلِّ ٱلشُّعُوبِ (إشعياء ٧:٥٦). فهل، يا تُرى، رأى هؤلاء اليونانيون إن ما فعله يسوع كان في مصلحة الأمم أمثالهم، الذين عندما جاءوا لعبادة الإله الحقيقي، كان عليهم البقاء خارجاً في الساحة الخارجية؟” بروس (Bruce)
٢.«يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ»:سَمِعَ هؤلاء اليونانيون عن يسوع وصيته كمعلم وصانع للمعجزات. والقليل الذي عرفوه عن يسوع جعلهم يريدون معرفة المزيد عنه، لذا جاءوا إلى فِيلُبُّسَ (التلميذ الوحيد الذي يحمل اسماً يونانياً) قائلين: نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ.
- “جاء هؤلاء الرجال من الغرب ليروا نهاية حياة يسوع، تماماً كالمجوس الذين جاؤوا من المشرق ليروا بداية حياة يسوع، ولكنهم وصلوا إلى صليب الملك، أما المجوس فإلى مهده.” آلفورد (Alford) يقتبس من ستاير(Stier)
٣.قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ: قال يسوع أن ساعته لم تأتِ بعد مرتين على الأقل في السابق (يوحنا ٤:٢، ٦:٧)، وها هو الآن يقول: «قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ» وكأن طلب اليونانيين له كان إشارة على أن موعده قد حان.
- “نرى يسوع في هذا الإنجيل كمخلص العالم، ومن الواضح أن يوحنا أرادنا أن نفهم أن لقاء يسوع مع اليونانيين يعني أن مهمته وصلت إلى ذروتها، وأنه الآن سيموت عن كل العالم بما في ذلك اليونانيين.” موريس (Morris)
- حقيقة أن ساعته لم تأتِ بعد خلصته من العنف في السابق (يوحنا ٣٠:٧، ٢٠:٨). أما الآن، فقد أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ، وحان الوقت ليقدم يسوع الذبيحة النهائية.
- لم يتجاوب يسوع في الواقع مع هؤلاء اليونانيين “الأمم” الباحثين عن الحق، ولكنه سيفعل ذلك بعد الصليب. فلكي تحصل البشرية على حياة جديدة في الله الابن، على يسوع أن يموت (يَتَمَجَّدَ) أولاً.
٤.قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ: لم يقصد يسوع أنه سيتمجد في أعين البشر. فقد حدث هذا في دخوله الانتصاري. فالتمجيد الذي أشار إليه يسوع كان سيحدث على الصليب، فما رآه العالم بأنه إهانة، رآه يسوع بأنه تمجيد.
- قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ: “جاء الفعل ’أَتَت‘ في صيغة المضارع التام: ’أتت الساعة وستبقى معنا…‘ أي لا سبيل للعودة.” موريس (Morris)
ب) الآيات (٢٤-٢٦): يشرح يسوع سبب استعداده لمواجهة الموت
٢٤اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلْأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. ٢٥مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. ٢٦إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ ٱلْآبُ.١.إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلْأَرْضِ وَتَمُتْ: كما أن البذرة لن تنبت أبداً إن لم تَمُتْ وتدفن، هكذا كان موت ودفن يسوع كان ضرورياً لتمجيده. وقبل أن تكون هناك قيامة وثمر، يجب أن يكون هناك موت.
- “تطبيق المبدأ المذكور في الآية ٢٤ واسع للغاية، فإذا كان ينطبق على يسوع، فسينطبق على أتباعه أيضاً.” بروس (Bruce)
٢.مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ يَحْفَظُهَا:نحن مدعوون أن نبغض حياتنا لكن ليس بمعنى أن نتجاهلها، ولكن بمعنى أن نتخلى عنها ونسلمها بالكامل لله. فحياتنا ثمينة لأنها شيء يمكننا تقديمه إلى يسوع.
- ركز يسوع هنا على فكرة أن يبغض الإنسان حياته فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ. فعلينا ألا ننغمس في هذا العالم بل أن نعيش كغُرَبَاءُ وَنُزَلَاءُ وأن نبغي وَطَناً في السماء لا على الأرض (عبرانيين ١٣:١١-١٦).
- “إن الإنسان الذي يرتب أولوياته بطريقة صحيحة سيكون محُباً لأمور الله، وعندما يفعل ذلك سيبدو كل اهتمامه بهذه الحياة وكأنه كراهية.” موريس (Morris)
٣.إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي: أن تكون مؤمناً يعني أن تخدم يسوع وتتبعه. ولا يعني ذلك أنك تتوقف عن العمل أو عن رعاية أسرتك أو تهمل دراستك، بل أن تفعل كل هذا كخادم وتابع ليسوع.
- “كل من اتخذ المسيح مخلصاً شخصياً له، عليه أن يكون مستعداً لخدمته. نحن لم نخلص من الخدمة، بل نلنا الخلاص لنخدم.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَخْدِمُنِي:“تعني كلمة ديكونوس (Diakonos) الخادم الذي يعتني بالموائد أو يعتني بأي مكان آخر، وقد يخدم الدولوس (doulos) من وراء الكواليس: وهذا يتناسب تماماً مع diakonos في هذه الآية. وقد يبدو هذا المنصب متواضعاً وشاقاً، ولكنه شرف عظيم يتوج الحياة في نظر الآب.” دودز (Dods)
- من السهل أن يفكر التلاميذ هكذا: “سيذهب يسوع إلى الصليب. نشكر الله أنه ليس عليّ القيام بهذا.” ثم يأتي يسوع ويقول: “اتبعني.”
- “تخيل رجلاً يقف أمام كل البشرية ويقول بكل برود وتأنٍ: “أنا المثل الأعلى للسلوك الإنساني. أنا الكمال المتجسد. وعليكم جميعاً، بغض النظر عن تنوع ظروفكم وثقافتكم وشخصياتكم الهائل، أن تتبعوا خطاي.” ماكلارين (Maclaren)
٤.وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي: وصف يسوع الخادم بأنه الشخص الذي يريد التواجد حيث يسوع. فهي ليست كالعبودية بالإكراه حيث يريد الخادم أن يتحرر من سيده، بل هي خدمة عن اختيار وطيب خاطر ورغبة بالبقاء قرب السيد.
- حَيْثُ أَكُونُ أَنَا: “لا تشير الكلمة إلى المكان الموجود فيه الرب في تلك اللحظة، بل إلى مكانه الحقيقي الأساسي (يوحنا ٢٤:١٧) في مجد الآب.” آلفورد (Alford)
٥.وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ ٱلْآبُ: يا له وعد رائع. فالذي يخدم يسوع يكرمه ٱلْآبُ، فالتكريم إذاً هو المكافأة والتقدير.
ج) الآيات (٢٧-٢٨أ): عندما أتت الساعة، أعرب يسوع عن تصميمه
«٢٧اَلْآنَ نَفْسِي قَدِ ٱضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ: أَيُّهَا ٱلْآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ؟ وَلَكِنْ لِأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ. ٢٨أَيُّهَا ٱلْآبُ، مَجِّدِ ٱسْمَكَ!». ١.اَلْآنَ نَفْسِي قَدِ ٱضْطَرَبَتْ: قبل يسوع هذه الساعة الحاسمة، ومع ذلك نفسه اضطربت لأنه كان يعلم الألم الذي كان سيواجهه على الصليب. لا يخبرنا يوحنا عن صلاة يسوع في بستان جثسيماني، ولكنه يعبر عن الفكرة من وراء تلك الصلاة في يوحنا ٢٧:١٢-٢٨.
- “كإنسان اضطربت نفسه من الموت الأليم الذي سيواجهه قريباً. فطبيعة البشر تكره الموت: فالله زرع هذا في طبيعتنا كبشر، وصار هذا جزأً من غريزتنا التي تجعلنا نحمي أنفسنا ونجنبها الخطر.” كلارك (Clarke)
٢.وَمَاذَا أَقُولُ: أَيُّهَا ٱلْآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ؟: عرف يسوع أهمية هذه الساعة لهذا لم يتمكن من طلب الهرب منها، لأنه كان يعلم أنه لِأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ. فالصليب، الذي ألقى بظلاله على حياة يسوع بأكملها، سيصبح الآن واقعاً في حياة يسوع.
- “من الواضح أن هذه الكلمات مجرد كلام، وكأنها صلاة افتراضية أراد يسوع أن يرفعها ولكنه لم يفعل.” موريس (Morris)
- “إن هدف التجسد والمجيء إلى العالم واستمراره حتى هذه الساعة كان لمواجهة هذا الألم.” ترينش (Trench)
٣.أَيُّهَا ٱلْآبُ، مَجِّدِ ٱسْمَكَ!: بينما كان يسوع يفكر في الصليب الذي كان قريباً للغاية، كان اهتمامه الرئيس أن يمجد اسم وطبيعة الله الآب.
د ) الآيات (٢٨ب-٣٠): صوت الآب يشهد ليسوع من السماء.
… فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضاً!». ٢٩فَٱلْجَمْعُ ٱلَّذِي كَانَ وَاقِفاً وَسَمِعَ، قَالَ: «قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ!». وَآخَرُونَ قَالُوا: «قَدْ كَلَّمَهُ مَلَاكٌ!». ٣٠أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هَذَا ٱلصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ».١.فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: كانت هذه ثالث شهادة مسموعة من الآب على مكانة يسوع كابن الله، فقد سُمع الصوت الإلهي قبلاً في المعمودية والتجلي.
٢.«مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضاً!»:كان هذا تأكيداً من الله الآب. فقد كان هم يسوع الوحيد باقترابه من الصليب هو تمجيد الآب، لهذا أكد له الآب أنه مجّده وسيستمر في تمجيده.
- وَأُمَجِّدُ: “تمجد المسيح بالفعل: أولاً بواسطة الآيات التي حدثت وقت موته، ثانياً في قيامته، وثالثاً في صعوده وجلوسه عن يمين الله، ورابعاً في انسكاب الروح القدس على الرسل، وخامساً في النجاح الباهر الذي صاحب الإنجيل وهكذا انتشر ملكوت المسيح في كل العالم.” كلارك (Clarke)
- وَأُمَجِّدُ أَيْضاً: “لا تعني كلمة ’أَيْضاً‘ هنا مجرد التكرار بل تشدد على التمجيد ثانية بشكل كامل وأخير.” آلفورد (Alford)
- «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هَذَا ٱلصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ:بدا صوت الله بالنسبة للبعض كالرعد. واعتقد آخرون أنه كان كصوت الملائكة. بالنسبة لأولئك الذين استطاعوا تمييزه، أعطاهم هذا الثقة في يسوع قبل هذه الأيام الحرجة.
- “سمع أصدقاء شاول في أعمال الرسل ٧:٩، ٩:٢٢ صدى الصوت، ولكنهم لم يفهموا شيئاً، لأنه لم يكونوا هم المقصودين.” ترينش (Trench)
هـ) الآيات (٣١-٣٣): يسوع يعلن عن موته بوضوح
٣١اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً. ٣٢وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ». ٣٣قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ.١.اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ: وقع روح هَذَا ٱلْعَالَمِ تحت الدينونة بسبب الطريقة التي عامل بها يسوع على الصليب. فالصليب لم يدين العالم فحسب بل قهر الشيطان أيضاً (اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً). فهزيمة العالم (الثقافة المعارضة ليسوع) والشيطان هو انتصار لله ولشعبه.
- يمكننا تعريف هَذَا ٱلْعَالَمِ بأنه الثقافة أو الفكر المعارض ليسوع، وهو نفس المعنى الذي تكلم عنه يسوع. ولهذه الثقافة والفكر قائد هو رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ، الشيطان وأكبر عدو لله (يوحنا ٣٠:١٤، ١١:١٦، كورنثوس الثانية ٤:٤، أفسس ٢:٢، ١٢:٦).
٢.اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً: كان الشيطان، أكبر عدو، قد طُرح (طرد) بطريقة ما من خلال عمل المسيح على الصليب. فلم يعد للشيطان أي سلطان شرعي على شعب الله لأنه قد طُرح خارجاً.
- “ستنقض الدينونة التي يقودها رئيس هذا العالم الشرير (الأرخّون) ضد يسوع في المحكمة العليا؛ وسيتم طرد هذا الرئيس نفسه.” بروس (Bruce)
- “بسبب العصيان طرد الله الإنسان من جنة عدن لأن الإنسان خضع لرَئِيس هَذَا ٱلْعَالَمِ (يوحنا ٣١:١٢)؛ والآن بسبب طاعة يسوع الكاملة على الصليب، سيُعزل رئيس هذا العالم عن هيمنته الحالية.” تاسكر (Tasker)
- تصف رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي ١٤:٢-١٥ بوضوح هزيمة الشيطان على الصليب: إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّراً إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ.
٣.وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ: يحمل الفعل ’ٱرْتَفَعْتُ‘ معنيين. المعنى الأول يشير إلى الارتفاع الحرفي (على الصليب) والثاني إلى التمجيد (في المكانة أو الشرف). وعد يسوع أنه عندما يُرفع على الصليب فإنه سيجذب إليه ٱلْجَمِيعَ.
- “رغم أن الإشارة المباشرة لكلمة ’ٱرْتَفَعْتُ‘ (ὑψωθῶ) تتحدث عن ارتفاعه على الصليب، لكن ثمة اقتراح بتفسير آخر يشير إلى ارتفاعه وجلوسه على العرش… فالصليب سيصبح عرشه ومن خلاله سيجذب الناس إليه ليصيروا تلاميذه.” دودز (Dods)
- وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ: “كلمة ’إن‘ لها نفس قوة الكلمة ’حين.‘ فلم يكن في ذهن يسوع أدنى شك بأنه سيصلب.” تاسكر (Tasker)
- عرف يسوع أن عمله على الصليب سيكون سبب بركة وخلاص لكل العالم وليس للشعب اليهودي فحسب. فصليبه سيجذب الجميع.
- أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ: “الصليب هو مغناطيس المسيحية. صحيح أن يسوع المسيح يستقطب الناس، ولكنه يفعل ذلك بشكل رئيسي من خلال صليبه. فإن حذفت الموت على الصليب من أجل خطايا العالم، كما حدث على مر العصور، فأنت تجرد المسيحية من جوهرها وجاذبيتها، وهكذا تفقد جاذبيتها وتتحول إلى شيء لا قيمة له.” ماكلارين (Maclaren)
- ٱلْجَمِيعَ:“لا يوجد تهميش أو إقصاء لأي فئة أو مخلوق من نعمة الله في المسيح يسوع. وقد أثبت تاريخ الكنيسة مدى صحة الجملة: ’وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ.‘ إن نظرت إلى قائمة المؤمنين سترى أنها تشمل الأمراء والمعوزين، والنبلاء والخدام.” سبيرجن (Spurgeon)
٤.قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ: لم يعلم يسوع أنه سيموت فحسب، بل علم أيضاً أنه سيموت على صليب وإنه ينبغي أن يرتفع عَنِ ٱلْأَرْضِ. كما عرف الطريقة المؤلمة والمهينة لموته، ومع ذلك خضع بالكامل لمشيئة الله.
و ) الآيات (٣٤-٣٦): هل سيعيش المسيا إلى الأبد؟
٣٤فَأَجَابَهُ ٱلْجَمْعُ: «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ ٱلنَّامُوسِ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى ٱلْأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هَذَا ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ؟». ٣٥فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ لِئَلَّا يُدْرِكَكُمُ ٱلظَّلَامُ. وَٱلَّذِي يَسِيرُ فِي ٱلظَّلَامِ لَا يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. ٣٦مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ آمِنُوا بِٱلنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ ٱلنُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا ثُمَّ مَضَى وَٱخْتَفَى عَنْهُمْ.١.نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ ٱلنَّامُوسِ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى ٱلْأَبَدِ: تعلم الناس فقط عن المقاطع الكتابية من ٱلنَّامُوسِ (العهد القديم) التي تتحدث عن انتصار المسيا. وكانوا غالباً لا يعلمون عن المقاطع الكتابية التي تتحدث عن معاناته (مثل مزمور ٢٢ وإِشعياء ٥٣). وهذا جعلهم يتساءلون ما إذا كان يسوع هو المسيا الحقيقي، ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ.
- “كان هناك العديد من المقاطع الكتابية التي تتكلم عن مُلكه الأبدي، كما في إِشعياء ٧:٩ وحزقيال ٢٥:٣٧ ودانيال ١٤:٧، فربما أختلط عليهم الأمر، وبالتالي استنتجوا أن المسيا لا يمكنه أن يموت، لأن الكتب المقدسة تقول أن عرشه وملكوته وحكمه سيدومون إلى الأبد.” كلارك (Clarke)
- هذا الحشد، الذي استقبل بحماسة المنتصر السياسي، لم يرغب أن يسمع عن موته الكفاري، فهذا لا يتناسب مع المسيا الذي في مخيلتهم.
- ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ: “يُظهر هذا المقطع الكتابي وممقاطع أخرى أن لقب ’ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ‘ كان لقباً مسيانياً، ولكن معناه ليس مؤكداً ولا يتطابق تماماً مع ’المسيا.‘ دودز (Dods)
٢.ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ… مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ آمِنُوا بِٱلنُّورِ: أكد لهم يسوع أنه معهم لفترة قصيرة فقط. كان نور خدمته الأرضية على وشك أن ينطفئ.
- علينا أن نؤمن بيسوع ما دام النور موجوداً، لأنه لن يدوم إلى الأبد. فروح الله لن يسعى وراء الناس إلى الأبد (سفر التكوين ٣:٦)، وعلينا أن نستجيب مع دعوته عندما نسمعها.
- أَبْنَاءَ ٱلنُّورِ:“يصف هذا التعبير ’أَبْنَاءَ فلان‘ الأولاد الذين يملكون صفات أبيهم. وفي تعبيرنا الدارج يمكننا على الأرجح أن نقول أن ’أبناء النور‘ تعني ’الرجل النزيه.‘ تاسكر (Tasker)
ز ) الآيات (٣٧-٤١): يفسر يوحنا عدم إيمانهم في ضوء نبوة العهد القديم.
٣٧وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، ٣٨لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ ٱلَّذي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟». ٣٩لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لِأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: ٤٠«قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». ٤١قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ.١.وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ: أخبرنا يوحنا عبر إنجيله عن آيات كثيرة صنعها يسوع من شأنها أن تجعلهم يُؤْمِنُوا بِهِ (يوحنا ١١:٢، ٥٤:٤، ١٤:٦)، ومع ذلك، كثيرون لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لهذا السبب اقتبس يوحنا البشير إقتباسين من إشعياء (١:٥٣ و٩:٦-١٠) ليوضح أن هذا أمر قد تم التنبؤ عنه.
- “بعد قرون من التاريخ المسيحي، حيث الكنيسة الآن تقتصر تقريباً على الأمم، أصبحنا نقبل وجود عدد قليل جداً من اليهود فيها. ولكن الأمر كان يختلف تماماً بالنسبة لمؤمني العهد الجديد.” موريس (Morris)
٢.وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟: شدد يوحنا عندما اقتبس من إِشعياء ١:٥٣ على أن الإيمان هو نتيجة إعلان الله عن ذاته وحقه للإنسان. وقد أعلن يسوع عن ذاته من خلال تعاليمه والآيات الكثيرة التي صنعها.”
٣.قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ: شدد يوحنا عندما اقتبس من إِشعياء ٩:٦-١٠ على أن عدم الإيمان كان نتيجة للدينونة التي أوقعها الله على أولئك الذين رفضوا حقه والرجوع إليه. فالله سيدعم قرارهم مهما كان، سواء قبلوا يسوع أم رفضوه. وفي ضوء هذا المبدأ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، كما قال إِشعياء.
- “لم يُقدّر لأي منهم أن يكون غير مؤهل للإيمان، إذ نرى بوضوح في (يوحنا ٤٢:١٢) أن البعض منهم آمن بالفعل. ولكننا نرى أن نبوة العهد القديم قد تحققت في أولئك الذين لم يؤمنوا. بروس (Bruce)
- “لا يعني هذا أن هؤلاء الناس صاروا عمياناً رغم إرادتهم، وكذلك الحال مع قساوة قلوبهم. فقد اختار هؤلاء الشر. وكان هذا باختيارهم، وكان خطأهم الشخصي.” موريس (Morris)
٢.قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ: قد رأى النبي إشعياء ٱلرَّبُّ يَهْوَه كما هو مسجل في النبوة في إشعياء ١:٦-١٣. وفهم يوحنا جيداً أن إشعياء قد رأى يسوع قبل تجسده وأن يسوع هذا هو نفسه يَهْوَه.
- “يفسر يوحنا رؤية إشعياء المسجلة في إصحاحه ٦ على أنها رؤية شملت الألوهية ككل. فقد رأى النبي مجد المسيح فضلاً عن مجد الآب.” تاسكر (Tasker)
ح) الآيات (٤٢-٤٣): إِيمان بعض القادة الوَاهِن
٤٢وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلرُّؤَسَاءِ أَيْضاً، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ، لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ ٱلْمَجْمَعِ، ٤٣لِأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ ٱلنَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ ٱللهِ.١.وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلرُّؤَسَاءِ أَيْضاً، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ: في هذه المرحلة من خدمة يسوع، آمن الكثيرون به ولكنهم أبقوا إيمانهم سراً. فقد رأوا الآيات التي صنعها وسمعوا تعاليمه، لكنهم لم يُجاهِرُوا (لَمْ يَعْتَرِفُوا) بولائهم وثقتهم بيسوع خوفاً من رأي الناس وردة فعلهم.
- “لا يوجد ما يسمى بالتلمذة الخفية، فالسرية إما تقتل روح التلميذ، أو تنتصر التلمذة الحقيقية على السرية وتنهي وجودها.” باركلي (Barclay)
- كان الأسقف ترينش (Trench) أكثر تعاطفاً: “إن المُعلقين قساة على هؤلاء المترددين. هل كل المؤمنين أبطال؟ ألا يوجد فَتِيلَة مُدَخِّنَة؟”
٢.لِأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ ٱلنَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ ٱللهِ: لقد أوضح يسوع لتوه أن كل من يخدمه، سَيُكْرِمُهُ الآبُ (يوحنا ٢٦:١٢). ومع ذلك، كثيرين أَحَبُّوا الإِكرام والمَجْد الذي يأتي من الناس أكثر من المَجْدِ الذي يأتي من ٱللهِ.
- أَحَبُّوا مَجْدَ ٱلنَّاسِ: “أي تعلقوا بالمدح التافه الذي يخرج من أفواه الناس؟ هؤلاء نالوا مجازاتهم.” تراب (Trapp)
ط) الآيات (٤٤-٥٠): دعوة أخيرة للخلاص: وجه يسوع نداءاً أخيراً للجموع مشوباً بالعاطفة
٤٤فَنَادَى يَسُوعُ وَقَالَ: «ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِي، لَيْسَ يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي. ٤٥وَٱلَّذِي يَرَانِي يَرَى ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي. ٤٦أَنَا قَدْ جِئْتُ نُوراً إِلَى ٱلْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لَا يَمْكُثُ فِي ٱلظُّلْمَةِ. ٤٧وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلَامِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لَا أَدِينُهُ، لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأَدِينَ ٱلْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ ٱلْعَالَمَ. ٤٨مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلَامِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ، ٤٩لِأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ ٱلْآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ. ٥٠وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ، فَكَمَا قَالَ لِي ٱلْآبُ هَكَذَا أَتَكَلَّمُ».١.فَنَادَى يَسُوعُ وَقَالَ: هذه آخر كلمات نطق بها المسيح للجماهير في إنجيل يوحنا. وقد ركز يسوع في خطابه الأخير على كل الموضوعات التي تحدث عنها سابقاً في إنجيل يوحنا، وهذا يتضمن تذكيراً بتعاليمه، وتحدياً لاتخاذ قرار بشأنه، وتحذيراً لأولئك الذين رفضوه، ووعداً لأولئك الذين قرروا الإيمان به.
- فَنَادَى:“يدل الفعل الناقص في الأصل على أن الصراخ كان متواصلاً.” تاسكر (Tasker)
- “لم يكن الصِّياح أو الصوت العالي في الشوارع أمراً طبيعياً بالنسبة للمخلص، فهو عادة لم يكن كَثِيرُ الصِّيَاحِ. ولكن تخبرنا الأناجيل الأربعة أنه بين الحين والآخر وفي أحلك الساعات، كان يتكلم بِصَوْتٍ مُرْتَفِع (يوحنا ٣٧:٧).” موريسون (Morrison)
٢.ٱلَّذِي يَرَانِي يَرَى ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي: أكد يسوع وحدانيته مع الله الآب. فالذي يُؤْمِنُ بيسوع يؤمن بِالَّذِي أَرْسَلَ يسوع، فالأمر يفوق الإيمان بيسوع نفسه.
- “رغم أن السبب الرئيسي لصلبه كان إعلانه عن وحدانيته مع الله، إلا أنه لم يتراجع عما قاله بل أكده بقوة حتى وهو على مشارف الموت!” كلارك (Clarke)
٣.أَنَا قَدْ جِئْتُ نُوراً إِلَى ٱلْعَالَمِ:“أكد يسوع مجدداً على صِدقه وعلى حاجة الإنسان لإتباعه وإلا فسيعيش فِي ٱلظُّلْمَةِ إلى الأبد.
٤.لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأَدِينَ ٱلْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ ٱلْعَالَمَ: لم يكن التجسد ضرورياً إن كان هدف مجيء يسوع هو للدينونة فقط. فالدينونة لا تحتاج أن يضيف إلى ألوهيته جسد بشريتنا، ولكنه فعل ذلك لخلاص العالم. ومع ذلك، اَلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ – فرفض يسوع يليه عواقب لا مفر منها.
- “لم يكن خطابه الأخير لدينونتهم، بل كان استئنافاً مليئاً بالمحبة نحوهم.” موريس (Morris)
- تكشف الأناجيل الأربعة دوماً عن مفارقة أساسية: أن يسوع أتى في روح المحبة، ولكن مجيئه تضمن أيضاً روح الدينونة.” باركلي (Barclay)
٥.لِأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي: شدد يسوع على خضوعه الكامل لله الآب، وأن سلطانه مرتبط بخضوعه الكامل لله الآب.
- مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ:“الأولى مخصصة لمحتوى العقيدة، والأخيرة إلى طرق التواصل المختلفة.” دودز (Dods)