إِنْجِيلُ يُوحَنَّا – الأصحاح ١١ – يسوع يقيم لعازر من الأموات
أولاً. مَوْتُ لِعازَر
أ ) الآيات (١-٣): طلب يُرفع إلى يسوع
١وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. ٢وَكَانَتْ مَرْيَمُ، ٱلَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، هِيَ ٱلَّتِي دَهَنَتِ ٱلرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. ٣فَأَرْسَلَتِ ٱلْأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ».١.وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً: ربما كانت هذه بداية أعظم معجزة صنعها يسوع. قد يقول أحدهم أنه من الحماقة بمكان التفكير بأن معجزة ما أصعب من أخرى، ولكن هذه الآية السابعة في إنجيل يوحنا فريدة من نوعها.
- “لسمة الشفاء لمريض لن تعادل عودة ميت من قبره إلى الحياة، وخاصة إذا كان قد بقى أربعة ايام في القبر، فتحلل جسده وأنتن.” باركلي (Barclay)
- “من المستغرب أن يهمل بعض الإنجيليين حدثاً كهذا، فهذه الرواية تعرض بعضاً من أرقى الصفات في شخصية ربنا. إن تخمين غروتيوس (Grotius) له وزن كبير. فهو يعتقد أن المبشرين الثلاثة الآخرين كتبوا تاريخهم أثناء حياة لعازر؛ وأنهم لم يذكروه خوفاً من إثارة حقد اليهود ضده.” كلارك (Clarke)
- “اقترح موريس (Morris) سبباً آخر لعدم شمولية الأناجيل الإزائية (السينوبتيّة) لرواية إقامة لعازر هو أن بطرس لم يكن موجوداً؛ فقد كان في هذه الأشهر في الجليل بينما كان يسوع في بيرية وبيت عنيا. ويعتقد الكثيرون أن الأناجيل الإزائية (السينوبتيّة) تتمحور حول تعليم وخدمة يسوع كما يرويها بطرس.
- لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا: اسم ’لعازر‘ في اللغة الأصلية اليونانية هي شكل من كلمة (Eleazar) والتي تعني: ’الرب عوني.‘ دودز (Dods)
٢.لِعَازَرُ… مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا:تمتع يسوع بعلاقة وثيقة مع هذه الأسرة. وعندما صار لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، كان من الطبيعي أن يلتمسوا المساعدة من يسوع. فكان متوقعاً بما أنه سدد احتياجات الكثيرين بأعجوبة، فإنه سيفي باحتياجاتهم أيضاً.
٣.«يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ»: لم تطلب كل من مريم ومرثا من يسوع أن يأتي ويشفي لعازر تحديداً. فلم يشعروا بحاجتهم لذلك، وكان كافياً بالنسبة لهم ببساطة أن يخبروا يسوع عن المشكلة.
- “إن محبة يسوع لا تفصلنا عن ضروريات الحياة وما بها من ضعفات وعيوب. فأولاد الله ما زالوا بشراً.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٦): تباطؤ يسوع في الرد
٤فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هَذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لِأَجْلِ مَجْدِ ٱللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللهِ بِهِ». ٥وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. ٦فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. ١.هَذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ: كان لعازر قد مات عندما قال يسوع هذه الكلمات، ولكنه عرف أن النتيجة النهائية ستؤول لِمَجْدِ ٱلله، وليس للموت. كما عرف يسوع أيضاً أن الأحداث المسجلة في هذا الأصحاح ستزيد من تصميم القادة الدينيين على قتله. مما يعني أن المحصلة النهائية ستكون: لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللهِ في موته وقيامته.
- “الفهم الصحيح الوحيد لهذه الإجابة، وتفسيراً لكل ما فعله ربنا هنا هو: أنه كان يعلم وتوقع كل ما سيحدث قبل حدوثه.” آلفورد (Alford)
- “كان يجب أن نقول أن المرض كان للموت، ولكن في النهاية، ليتمجد الله. ولكن من يرى النهاية من البداية يشع بعظمة بطريقة لا يمكننا تقليدها. لذلك يتكلم الرب عن الأشياء، ليس كما تبدو، ولا حتى كما هي في الوقت الحاضر، ولكن كما يجب أن تكون على المدى البعيد.” سبيرجن (Spurgeon)
٢.وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ: يذكرنا يوحنا بأن يسوع كان يحب هذه الأسرة بصدق. وكان هذا تذكيراً مهماً، ليُظهر أن اختبار إيمانهم لم يكن إنكاراً لمحبته لهم.
- “ربما كان المقصود من ذكر الأشخاص الثلاثة كل على حدة، للتشديد على محبة يسوع الفردية لكل منهم. فهو ببساطة لم يحب العائلة، بل أحب مرثا وأحب مريم وأحب لعازر.” موريس (Morris)
- عندما نفكر كيف كان هؤلاء الثلاثة مختلفين تماماً عن بعضهم، سواء في طباعهم وفي ظروفهم المعيشية، سنجد أن محبة يسوع الفردية نحو كل منهم كان لها أهمية خاصة.
- “هذا التلميذ الذي كان يسوع يحبه لم يتردد للحظة أن يسجل أن يسوع أحب لعازر أيضاً: فلا توجد غيرة بين أولئك الذين اختارهم الحبيب.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ: يبدو غريباً أن يسوع لم يُهِبّ إلى المساعدة في حل هذه الأزمة الملحة فوراً. وكان التأخير على الأغلب محيراً بالنسبة للتلاميذ ومؤلماً بالنسبة لمريم ومرثا.
- من الواضح أن يسوع أضاف يَوْمَيْنِ آخرين لفترة حزن مريم ومرثا. غير أن “إطالة فترة الحزن كانت لنفس السبب الذي سُمح بحدوثه. فلا جدوى من السماح بالحزن لفترة قصيرة.” ماكلارين (Maclaren)
- تعمد يسوع أن ينتظر قبل أن يقيم لعازر من الموت، وتعمد أن يبقيه أربعة أيام في القبر. “اقتبس لايتفوت (Lightfoot) تقليداً رائعاً من بن كفرا (Ben Kaphra): ‘يصل الحزن إلى أقصاه في اليوم الثالث. فالروح تبقى تحوم حول القبر لمدة ثلاثة أيام على أمل الرجوع إلى الجسد. ولكن عندما ترى التغيير في ملامح الوجه، تنسحب وتتخلى عن الجسد.‘” دودز (Dods)
- ذكر إنجيل يوحنا ثلاث مرات أن شخصاً عزيزاً على قلب يسوع طلب منه أن يفعل شيئاً (يوحنا ١:٢-١١ و ١:٧-١٠). وفي كل من تلك الحالات الثلاثة، استجاب يسوع بنفس الطريقة.
- رفض يسوع أولاً الاستجابة لطلباتهم، ولكنه استجاب لاحقاً بعد أن وضح أنه يعمل وفقاً لتوقيت وإرادة الله وليس البشر.
- أظهر يسوع من خلال تصرفاته بأن تباطؤه لم يكن رفضاً للمساعدة، بل لأن التأخير سيمجد الله بصورة أكبر.
ج) الآيات (٧-١٠): قرر يسوع بشجاعة الذهاب إلى اليهودية وأورشليم
٧ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً». ٨قَالَ لَهُ ٱلتَّلَامِيذُ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱلْآنَ كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ». ٩أَجَابَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱلنَّهَارِ لَا يَعْثُرُ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هَذَا ٱلْعَالَمِ، ١٠وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱللَّيْلِ يَعْثُرُ، لِأَنَّ ٱلنُّورَ لَيْسَ فِيهِ». ١.«لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً»: كان بإمكان يسوع أن يُقيم لعازر من الأموات عن بُـعد. فاليهودية لم تكن آمنه بالنسبة ليسوع بسبب معارضة القادة الدينيين. ومع ذلك، كان يسوع على استعداد للذهاب إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ مرة أخرى، على الرغم من تحذيرات التلاميذ.
٢.أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟: صُدِم تلاميذ يسوع من سماع خبر الرجوع إلى منطقة اليهودية حيث كان مطلوباً هناك. ولكن كان رد يسوع أن أمامه الكثير ليفعله، وكانت جملته: سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ ما هي إلا طريقة مجازية للحديث عن الوقت الذي خصصه الله الآب لعمل يسوع على الأرض.
- هناك العديد من التطبيقات العملية لهذه الجملة الحكيمة.
- لا يمكن لشيء أن يقلل ساعات يومنا.
- هناك ما يكفي من الوقت ليعمل الإنسان ويتمم كل ما عليه.
- نملك وقتاً محدداً فقط فلا مجال لإضاعة دقيقة منه.
- “هنا نرى يسوع يقول أن على الإنسان أن ينتهي من عمله خلال النهار، لأن العمل يتوقف عندما يأتي الليل.” باركلي (Barclay)
- “توجد اثنتي عشرة ساعة في اليوم، وسوف تغرب الشمس سريعاً. فاعمل الخدمة التي أرسلك الله لتعملها.” موريسون (Morrison)
٣.إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱلنَّهَارِ لَا يَعْثُرُ: خلال سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ، لا يمكن لأي ضرر أن يأتي على يسوع والتلاميذ. وكان عليهم أن يعملوا قبل ٱللَّيْلِ، أي ليلة القبض على يسوع.
- “لدي وقت محدد لأعمل فيه، وقت عيّنه لي الآب، وخلال ذلك الوقت لا أشعر بأي تهديد لأني أسير في نوره، كما يسير المسافر في نور هذا العالم في النهار.” آلفورد (Alford)
د ) الآيات (١١-١٥): أخبرهم يسوع بوضوح أن لعازر قد مات
١١قَالَ هَذَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ». ١٢فَقَالَ تَلَامِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». ١٣وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ ٱلنَّوْمِ. ١٤فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلَانِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ. ١٥وَأَنَا أَفْرَحُ لِأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلَكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!».١.«لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ»: استخدم يسوع تشبيه النوم المألوف لوصف موت لعازر. فالتعبير المجازي الذي استخدمه يسوع كان له معنى خاص لأنه قريباً سيوقظ لعازر فعلاً (لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ)، ويقيمه من الأموات.
- قال يسوع عن ابنة يايرس: ٱلصَّبِيَّةَ لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ (متى ٢٤:٩). وبعدما استشهاد استيفانوس يرد عن موته القول: أنه قَدْ رَقَدَ (نَامَ). (أعمال الرسل ٦٠:٧).
٢.«لِعَازَرُ مَاتَ… وَأَنَا أَفْرَحُ»: كان بإمكان يسوع أن يفرح حتى في وفاة صديق عزيز لأنه كان واثقاً من النتيجة. فنرى في نهاية أحداث هذا الأصحاح أن الجميع تعزى، وأن لعازر عاد إلى الحياة، وأن كثيرين آمنوا، وأن الأمور بدأت تتحرك نحو صلب يسوع. كل هذه الأمور جعلت يسوع يفرح.
- “علينا أن نتعلم أن الله يسمح لنا بالمرور في ظلام حالك، وأن ندخل في آلام شديدة، لكي نثبت بشكل أفضل قدرته وسلطانه.” مورغان (Morgan)
«وَلَكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!»: “على الأرجح غادر يسوع بَيْتِ عَبْرَةَ في اليوم الذي مات فيه لعازر أو اليوم الذي يليه، ووصل إلى بيت عنيا بعد ثلاثة أيام؛ ويبدو أن لعازر صار له أربعة أيام في القبر، وهذا يدل على أنه دفن يوم وفاته أو بعده بيوم.” كلارك (Clarke)
هـ) الآية (١٦): جرأة إيمان تُومَا
١٦«فَقَالَ تُومَا ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ لِلتَّلَامِيذِ رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!».١.فَقَالَ تُومَا ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ: يقول تاريخ الكنيسة أن توما كان يُسمى ٱلتَّوْأَمُ لأنه كان يشبه يسوع، مما وضعه في خطر إضافي. وإذا كان أي من تلاميذ يسوع هدفاً محتمَلاً للاضطهاد، فسيكون حتماً الشخص الذي يشبهه.
- “كان الإسم المزدوج شائعاً بين اليهود. فكان الواحد له اسمه العبري الذي يعرف به في دائرته، واسمه اليوناني الذي يعرف به في دائرة أوسع. وتوما هو الإسم العبري، أما ديديموس أو التوأم، فهو الإسم اليوناني.” باركلي (Barclay)
٢.«لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!»: كان توما على استعداد للذهاب مع يسوع حتى لو عنى ذلك الموت معه. وقد قدم هذا الالتزام دون أن يدرك معنى وعد القيامة بالكامل.
- “هتف توما صرخة ولاء يائسة.” تاسكر (Tasker)
- “إنه المتشائم عادة بين التلاميذ، وها هو الآن يضيف الكآبة لأن النتائج المتوقع حدوثها في اليهودية كانت مؤكدة، ولكن ولائه ليسوع منعه من السماح له بالذهاب لوحده.” دودز (Dods)
ثانياً. لقاء يسوع مع مريم ومرثا
أ ) الآيات (١٧-٢٢): مرثا ترحب بيسوع عند دخوله بيت عنيا
١٧فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي ٱلْقَبْرِ. ١٨وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً. ١٩وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا. ٢٠فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لَاقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَٱسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي ٱلْبَيْتِ. ٢١فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! ٢٢لَكِنِّي ٱلْآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ ٱللهِ يُعْطِيكَ ٱللهُ إِيَّاهُ».١.صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي ٱلْقَبْرِ: انتظر يسوع أَرْبَعَةُ أَيَّام لأنه كان يعلم بالاعتقاد السائد بين اليهود في عصره والذي يقول أن الروح تبقى قرب القبر لمدة ثلاثة أيام، على أمل العودة إلى الجسد. وبالتالي كان معروفاً أنه بعد أَرْبَعَةُ أَيَّام لا يوجد رجاء في القيامة.
٢.وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ: بقي هذا الحشد الكبير موجوداً معهم بعد أربعة أيام من دفن لعازر. فقد كان التواجد مع أهل الميت يعتبر واجباً هاماً.
- “كان الموكب الجنائزي الذي يتألف من الأقرباء والأصحاب وأحياناً بعض النادبات المستأجرات يرافق الجسد إلى القبر؛ وكان الحداد يستمر عادة لعدة أيام بعد ذلك.” تيني (Tenney)
- وَأَمَّا مَرْيَمُ فَٱسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي ٱلْبَيْتِ: “من المرجح أن البشير، في هذا الظرف، أراد أن يصور لنا حزنها وضيقها؛ فالأشخاص المنكوبين في ذلك العصر اعتادوا أن يأخذوا وضعية الجلوس تعبيراً عن حزنهم، حيث كان حزنهم يمنعهم من القيام بأي شيء.” كلارك (Clarke)
٣.«يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!: صرحت مرثا بخيبة أملها في وصول يسوع المتأخر. وأعربت عن إيمانها بأن يسوع كان قادراً على شفاء أخيها وهو مريض. ومن المحتمل أنها لم تفكر حتى بأن يسوع كان قادراً على إقامة لعازر من الأموات الآن.
- “الموت في حضور يسوع لم يكن أقوى من المرض، ولكنهم لم يدركوا ذلك، بل اعتقدوا أن الموت لا يمكن قهره. قد يتصارع الإنسان مع المرض، ولكنه في كثير من الأحيان يتغلب عليه في النهاية. ولكنهم بحضور الموت يصبحون عاجزين.” مورغان (Morgan)
٤.لَكِنِّي ٱلْآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ ٱللهِ يُعْطِيكَ ٱللهُ إِيَّاهُ:لم تكن مرثا واثقة في قدرة يسوع على إقامة لعازر من الأموات. ومع ذلك، ورغم خيبة أملها، أعلنت ثقتها بيسوع. وكان هذا تجسيداً رائعاً للإيمان علينا أن نحتذي به.
- “ستكون بعض الصلوات أفضل إن كانت أقصر، ومن الأفضل أن تعلن عن ثقتنا بإرادة المسيح الصالحة بدلاً من الإعلان عن إرادتنا. يعجبني أن البشير أهمل ذكر صلاة مرثا ومريم.” سبيرجن (Spurgeon)
- ثمة قوة عظيمة في الصلوات التي تبدأ بـ’ لَكِنِّي ٱلْآنَ.‘
- قد يكون حبيبك وكأنه ميت وأنتن مثل لعازر، هل تؤمن بيسوع من أجله ٱلْآنَ؟
- ثمة أمر في حياتك تعتبر أنه مات مثل لعازر، هل تؤمن بعمل يسوع في حياتك ٱلْآنَ؟
ب) الآيات (٢٣-٢٧): أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ.
٢٣قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «سَيَقُومُ أَخُوكِ». ٢٤قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ». ٢٥قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، ٢٦وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟». ٢٧قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، ٱلْآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ».١.«سَيَقُومُ أَخُوكِ»: أدركت مرثا أن أخيها لعازر سَيَقُوم ثانية مع الصالحين فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ. ولكنها لم تدرك أن يسوع قادر أن يقيم لعازر من بين الأموات على الفور.
- قد نُعزي شخصاً حزيناً ونقول: “سوف تراه ثانية” ونكون فعلاً صادقين في كلام كهذا، ولكننا لا نقصد: “ستراه ثانية الآن.” أما يسوع فقصد في كلامه أن لعازر سَيَقُومُ الآن وفي الحال.
- “بسلطاني سآمر بالقيامة في اليوم الأخير، وبالتالي أستطيع أن أقيم من أشاء الآن أيضاً.” آلفورد (Alford)
- «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ»: “وبفضل نفوذ الفريسيين وأولئك الذين اتبعوا خطاهم، صار هذا هو الاعتقاد السائد بين اليهود آنذاك على الرغم من مقاومة الصدوقيين له.” بروس (Bruce)
- “من الواضح أنها لم تستمد سوى القليل من العزاء من حقيقة القيامة البعيدة والعامة: كانت بحاجة إلى القيامة والحياة الآن، وأن تصبح حقيقة واقعية بالنسبة لها.” سبيرجن (Spurgeon)
٢.«أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ»: لم يدّع يسوع أن لديه القيامة والحياة أو أنه يفهم أسرار القيامة والحياة، وإنما قال على نحو مثير أنه هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. فمعرفة يسوع تعني معرفة القيامة والحياة، وعندما تملك يسوع في حياتك فأنت تملك القيامة والحياة.
- “نظرت مرثا إلى القيامة والحياة كأنها أشياء في المستقبل البعيد والغامض. ولكن السيد يسوع المسيح قال لها: ’كلا، أنا هو القيامة والحياة. وأنا لا أحصل على هذه الأشياء من رفع صلاة إلى الآب، وإنما أنا هذه الأشياء ذاتها.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- “بمعزل عن يسوع لا توجد قيامة ولا حياة.” دودز (Dods)
- “أنتِ تقولين أن أخيك سيقوم في اليوم الأخير، ولكن من الذي سيقيمه غيري أنا، خالق القيامة ومصدر الحياة؟ لن يكون صعباً بالنسبة لي أن أقيمه الآن أو لاحقاً.” كلارك (Clarke)
٣.مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا: حث يسوع مرثا كي تثق بأنه هو مصدر الحياة الأبدية. قدم يسوع نفسه كالبطل المنتصر على الموت. وبينما تخشى البشرية الموت بشكل عام، فإن خوف المؤمن الوحيد هو لحظة الموت فقط. فالمؤمن لن يموت، بل ينتقل ببساطة وعلى الفور من الحياة القديمة إلى الحياة الجديدة.
- “أولئك الذين يؤمنون بيسوع المسيح يبدو أنهم يموتون ولكنهم في الواقع يحيون. فهم ليسوا في القبر بل مع الرب إلى الأبد. وهم ليسوا فاقدين للوعي بل مع ربهم في السماء. فالموت لا يقتل المؤمن، بل يدخله إلى حياة ذات نوع مختلف من الحرية.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يقصد يسوع بالطبع أن المؤمن لن يموت جسدياً. فقد كان لعازر ميتاً وقتها، ومات الملايين من أتباع يسوع منذ ذلك الحين. ولكنه قصد أنه لن يموت بمعنى الموت الذي له ثقل أبدي.” موريس (Morris)
- “يأتي الموت بالنسبة لغير البار كأمر بتنفيذ العقوبة، أما بالنسبة للبار فيأتي كالدعوة لدخول بيت الآب. يأتي الموت بالنسبة للخاطئ كأمر الإعدام، أما بالنسبة للقديس كنزع الملابس. والموت بالنسبة للأشرار هو ملك الرعب، والموت بالنسبة للقديس هو نهاية الرعب وبداية المجد.” سبيرجن (Spurgeon)
- “في الكنيسة الأولى، وعندما كانوا يكررون تلك المادة من العقيدة التي تقول: ’أؤمن بقيامة الجسد،‘ كانوا يشيرون إلى أجسادهم ويقولون: ’إيتيام هوجس كارنيز (etiam hujus carnis)، أي حتى هذا الجسد.” تراب (Trapp)
- قدم يسوع دعوة رائعة: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا.» لا يمكن لأحد سوى الله أن يقول هذا الحق.
٤.أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟: حث يسوع مرثا على أن تؤمن، لا أن تناقش أو أن تقيم الأمر منطقياً. وكان عليها أن تؤمن أن يسوع هو حقاً ما قاله عن نفسه وبإنه قادر أن يفعل ما قال أنه سيفعل.
- “لم يسألها يسوع: هل فهمتِ ما أقول؟ بل سألها: أتؤمنين بهذا؟” تراب (Trapp)
- “هل يعني هذا أنه لن يقيم أخيها إن لم تؤمن؟ كلا، بالطبع… فقد عزم على ’إيقاظه من النوم‘ قبل أن يترك بيرية.” ماكلارين (Maclaren)
٥.«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، ٱلْآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ»: أجابت مرثا بالصواب. كان يسوع ولا يزال هو بالفعل المسيا (ٱلْمَسِيح). وكان يسوع ولا يزال هو الله في هيئة إنسان بيننا (ٱبْنُ ٱللهِ).
- أَنَا قَدْ آمَنْتُ: صيغة ’أنا‘ هنا تأكيدية تشديدية. فقد وضعت ثقتها بالكامل في يسوع، أياً كان حال ورأي الآخرين.” موريس (Morris)
- “دعا بويس (Boice) هذه الكلمات ’إيمان مرثا الموطد‘: إيمانها هو موطئ قدميها الذي سيدفعها للصعود لأعلى المستويات.
ج) الآيات (٢٨-٣٢): ندم مريم
٢٨وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: «ٱلْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ». ٢٩أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. ٣٠وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي لَاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. ٣١ثُمَّ إِنَّ ٱلْيَهُودَ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي ٱلْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى ٱلْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ». ٣٢فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!».١.مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً:لا نعلم بالضبط لماذا دعت مرثا أختها سراً. ولكن من العدل القول أنها فعلت ذلك لتسمح لمريم أن تقضي بعض اللحظات مع يسوع دون مقاطعة من اللآخرين.
- ٱلْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ:“أطلقت على يسوع لقب ’المعلم‘ باستخدام أداة التعريف مما يدل على أهميته. عُرف يسوع بين أتباعه في المقام الأول من خلال تعاليمه. وعُرف كالمعلم الفريد الذي لا يضاهيه أحد.” موريس (Morris)
- ٱلْمُعَلِّمُ:“من المهم أن نلاحظ أن امرأة استخدمت هذه المصطلح. فقد رفض معلمو اليهود تعليم النساء، ولكن يسوع كان له وجهة نظر مختلفة تماماً.” موريس (Morris)
- أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ:“أخبرتها مرثا أن يسوع كان يطلبها، وكان وقع الكلمات على مريم وكأنه أمر بالاستدعاء عليها أن تنفذه. لهذا لم تضيع مريم أي وقت بالذهاب إلى يسوع.” تيني (Tenney).
٢.«يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!»: كان لدى لعازر أختان، مريم ومرثا. وقد سبق وتحدثت مرثا مع يسوع عن موت لعازر، والآن حان دور مريم، وكانت كلماتها تشبه إلى حد كبير ما قالته مرثا ليسوع (يوحنا ٢١:١١).
- “من المحتمل أنهم قالوا نفس الكلام لبعضهم البعض عدة مرات منذ وفاة لعازر.” بروس (Bruce)
٣.لَمْ يَمُتْ أَخِي!:هذه واحدة من القصص في الكتاب المقدس التي نتمنى لو كان بإمكاننا أن نسمع نغمة الصوت ونرى تعابير الوجه. فقد يكون هذا أروع برهان للإيمان يعلن ثقتهم الكاملة بشفاء لعازر لو كان يسوع حاضراً. وفي المقابل، يمكن النظر إليه كنوع من الانتقاد لتباطؤ يسوع.
ثالثاً. إقامة لعازر
أ ) الآيات (٣٣-٣٨): تأثر يسوع الشديد عند القبر
٣٣فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، ٱنْزَعَجَ بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ، ٣٤وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟». قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَٱنْظُرْ». ٣٥بَكَى يَسُوعُ. ٣٦فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: «ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ!». ٣٧وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا ٱلَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ ٱلْأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضاً لَا يَمُوتُ؟». ٣٨فَٱنْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ.١.فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي: تأثر يسوع بحزن ودموع كل من مريم ومرثا. يتحَنَّنَ قلب الله مع دموع الحزانى.
- يرى الله دموعنا.
- يتأثر الله بدموعنا.
- يتذكر الله دموعنا.
- يعمل الله على مسح دموعنا.
٢.وَٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ: كان اليهود في ذلك الزمان والمكان يعبرون جيداً عن مشاعر الحزن والأسى.
- “علينا أن نتذكر أن تلك الدموع لم تكن هادئة رزينة، بل كانت ممتزجة بالصراخ والعويل. فقد اعتقد اليهود أنهم كلما أكثروا من الدموع والعويل، كلما قدموا للراحل إكراماً أعظم.” باركلي (Barclay)
- رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي… بَكَى يَسُوعُ:هناك تباين مهم بين دموع مريم ودموع يسوع. فكلمة ’تَبْكِي‘ (المستخدمة في حالة مريم في يوحنا ٣٣:١١) تصف الصراخ العالي، وكلمة ’بَكَى‘ (المستخدمة لوصف حزن يسوع في يوحنا ٣٥:١١) هي كلمة أخرى تشير إلى البكاء الهادئ. لقد تأثر يسوع كثيراً، ولكنه لم يفقد السيطرة على نفسه.
- كتب موريس (Morris) تعليقاً على’بَكَى يَسُوعُ‘ وقال: “التعبير المستخدم هنا (وهو التعبير الذي استخدم في العهد الجديد فقط) يشير إلى البكاء الهادئ الرزين. بالطبع شعر يسوع بحزنٍ شديد ولكنه لم يملأ الدنيا صراخاً.”
٣.ٱنْزَعَجَ بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ:عندما وصل قبر لعازر، ٱنْزَعَجَ يسوع بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ. والفعل في اليونانية القديمة يعني حرفياً: زفير الخيل، مما يدل على حالة الغضب والسخط التي كان فيها.”
- نجد أن الفعل ’ٱنْزَعَج‘ هنا استثنائي للغاية. فهو يدل على التأوه من ألم مكبوت لا يمكن الافصاح عنه، ويبدو أن استخدامه الأصلي كان لوصف زفير الخيل، وحين يستخدم في حالة الإنسان فإنه يدل عادة على الغضب المكبوت.” موريس (Morris)
- وفقاً لترينش (Trench): “ينقل التعبير ’وٱضْطَرَبَ‘ الإحساس بالضيق العميق في الروح. يا لها من عبارة رائعة! فكأن يسوع استدعى قصداً مشاعر السخط والغضب في روحه على الخراب الذي سببه الشرير، وفي ذات الوقت أحس بالتعاطف مع مشاعر المشيعين.
- “استناداً إلى معاني الفعل في الأصل اليوناني في الأدب الكلاسيكي القديم، كان الفعل ’أمبرماستاي (embrimasthai)‘ يطلق على زفير الخيل. فلا بد أنها تعني هنا أن يسوع استسلم لعواطف غامرة من الحزن العميق، حتى تصاعدت من أعماقه أنة هزت كيانه.” باركلي (Barclay)
- وهذا يعني أن يسوع لم يكن حزيناً بسبب ما كان يدور حول قبر لعازر. والأدق أن نقول أن يسوع كان غاضباً. كان يسوع غاضباً ومضطرباً من تدمير وقوة العدو الأكبر للبشرية: الموت. وقريباً كان يسوع سيكسر قوة سلطان هذا الموت.
- “المسيح لا يأتي إلى القبر كمتفرج ساكن ولكن كالمصارع الذي يستعد للمباراة. فلا عجب أن يئن ثانية، لأنه كان يقف مباشرة أمام المستبد العنيف الذي يدعى الموت وعليه أن يهزمه.” كالفين (Calvin)
٤.بَكَى يَسُوعُ: شارك يسوع آلام وأحزان تلك القلوب الحزينة المنكسرة. ولكنه لم يقف عاجزاً كباقي البشر، بل كان قادراً أن يفعل شيئاً حيال حزنهم لأنه الله الابن. سمح يسوع لهذه المشاعر أن تقيم لعازر من الأموات وهو ما سيفعله يوماً لكل الموتى الأبرار.
- بَكَى يَسُوعُ: ثمة عدة جوانب لهذه الكلمتين:
- كان يسوع إنسان حقاً.
- البكاء لا يعتبر خطية أو عاراً.
- أختبر يسوع الحزن جيداً.
- لم يخجل يسوع من إنسانيته.
- شارك يسوع أحزان الآخرين.
- أحب يسوع الناس.
- “كان يسوع إنساناً كاملاً بكل المقاييس، وكان ناسوته الكامل سخياً ومتعاطفاً إلى حد الكمال” كلارك (Clarke). “لقد اختبر يسوع كل عيوب بشريتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- لقد كّرم يسوع دموع كل الباكين في الكتاب المقدس.
- بكى إبراهيم عندما دفن سارة.
- بكى يعقوب عندما صارع الملاك.
- بكى داود ويوناثان معاً.
- بكى حزقيا على مرضه.
- بكى يوشيا على خطية شعبه.
- كان إرميا النبي الباكي.
- “يُقال لنا أحياناً أنه إن كنا نؤمن حقاً بأن أصدقاءنا سيقومون ثانية، وأنهم الآن آمنون وسعداء، فلا داعي للبكاء إذاً. ولكن لم لا نبكي؟ فيسوع نفسه بكى. فمن المستحيل أن نخطئ إن تتبعنا خطوات يسوع وتمثلنا به.” سبيرجن (Spurgeon)
- يشرح باركلي (Barclay) أن أول صفات الألوهية في نظر الثقافة اليونانية القديمة كانت ما أطلقوا عليه لقب ’أباثيا (apatheia)‘ ومعناها الجمود أو عدم القدرة على إظهار المشاعر على الإطلاق. فقد آمن اليونانيون بإله معزول لا يتعاطف ولا يتحنن. ولكنها ليست الصورة التي نراها في طيات الكتاب المقدس عن الله الحي الساكن وسط شعبه يشاركهم أحزانهم وأفراحهم.
- فَٱنْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ: “إن تكرار الفعل المضارع المستمر ’فَٱنْزَعَجَ فِي نَفْسِهِ‘ (embrimomenos)، يبين أن يسوع كان لا يزال متوتر عاطفياً من لقاءه الأول مع المشيعين.” تيني (Tenney)
- «ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ!»: “وعندما نراه يسكب دمه ويبذل حياته على الصليب لأجل البشرية، يمكننا أن نقول بكل فرح وسرور: أنظروا كيف أحبنا!” كلارك (Clarke)
٥.وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا ٱلَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ ٱلْأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضاً لَا يَمُوتُ؟»:تبدو أنها كلمات تعبر عن الحزن والأسى. فقد ظنوا أنه من المحزن حقاً أنه حتى يسوع، بكل عظمته، لم يتمكن من فعل شيء للعازر في هذه المرحلة.
- “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه الكلمات قيلت كنوع من السخرية.” موريس (Morris)
- ومع ذلك، فإن هذه الكلمات لم تكن مفيدة لأحد. وأشار سبيرجن (Spurgeon) إلى أن كل الكلام الذي يبدأ بـ ’ماذا لو‘ ما هو إلا عبث ولا جدوى منه. “ولعل الأحزان المرّة التي يعرفها الإنسان لا تأتي من الحقائق، بل من التصورات عن الأمور التي ربما كانت ستحدث، وكأنهم يحفرون آباراً من الافتراضات ويشربون منها مياه الندم العسرة.”
- “لنفترض أن يسوع فتح عَيْنَيِ ٱلْأَعْمَى، فهل هذا يعني أنه مُلزم بإقامة هذا الرجل الميت؟ وإذا لم يرَ هذا مناسباً، فهل يثبت هذا أنه لا يملك السلطان؟ وإذا سمح أن يبقى لعازر ميتاً، فهل يثبت هذا عدم قدرته على إنقاذ حياته؟ هل يا ترى يوجد سبب آخر؟ هل يستخدم كلي القدرة سلطانه دائماً؟ هل يمارس كل سلطانه أبداً؟ سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣٩-٤٠): أمر يسوع أن يرفع الحجر
٣٩قَالَ يَسُوعُ: «ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ!». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ ٱلْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ». ٤٠قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللهِ؟».١.«ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ!»: اعتقد الجميع أن طلب يسوع كان غريباً. فقد عرفت مرثا، في نهاية المطاف، أن رائحته ستكون كريهة لهذا قالت: ’يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ.‘ وربما ظن الناس أن يسوع كان متأثراً جداً وأراد أن يرى حبيبه لعازر للمرة الأخيرة.
٢.قَدْ أَنْتَنَ: على أية حال، كانت حالة الجثة تؤكد حقيقة لا يمكن نفيها وهي أن لعازر قد مات.
- “تعني الكلمة اليونانية (ozw) ببساطة أن هناك رائحة ما، سواء كانت رائحة جيدة أم سيئة؛ ولكن الظروف المحيطة بالحالة تظهر بوضوح أن الأخيرة هي المعنى المقصود هنا.” كلارك (Clarke)
٣.إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللهِ:كان يسوع قادراً تماماً على تتميم هذه المعجزة بدون إيمان مرثا أو مريم. ولكن إن لم يؤمنوا، فلن يختبروا ويروا مَجْدَ ٱللهِ أبداً. يمكنهم رؤية النتيجة النهائية ويكونوا سعداء بذلك، ولكنهم سيفوتون مَجْدَ العمل مع الله لتحقيق خطته.
ج) الآيات (٤١-٤٢): صلاة يسوع عند قبر لعازر
٤١فَرَفَعُوا ٱلْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ ٱلْمَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلْآبُ، أَشْكُرُكَ لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، ٤٢وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لِأَجْلِ هَذَا ٱلْجَمْعِ ٱلْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».١.فَرَفَعُوا ٱلْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ ٱلْمَيْتُ مَوْضُوعاً:كانت هذه خطوة إيمان واضحة ومميزة. أجبر يسوع مرثا ومريم على التصرف وفقاً لإيمانهما وعلى هذا الأساس أطاعوا أمر يسوع غير العادي.
- نرى أن يسوع استخدم في تعامله مع مرثا خطوات محددة هدفها تعزيز إيمانها.
- قدم يسوع لها وعداً.
- لفت يسوع نظرها إليه.
- دعاها يسوع للاعتراف بإيمانها.
- دعاها يسوع للعمل وفقاً لإيمانها.
- ٢.وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:كان يسوع على الأرجح يستخدم وضعية تقليدية للصلاة: رفع اليد وعيون متجهة نحو السماء.
- ٣.أَيُّهَا ٱلْآبُ، أَشْكُرُكَ لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي: كان يسوع واثقاً بعلاقته مع الله الآب. ولكنه صلى علانية هكذا لأجل مريم ومرثا وٱلْجَمْعِ ٱلْوَاقِفِ. فقوة صلاة يسوع كانت راسخة في أوقات الصلاة الخاصة التي كان يقضيها مع الآب.
- “لم يكن هناك كلمات جزلة أو تضرعات واستصراخ، بل كلمات بسيطة مليئة بالشكر، وكأن لعازر قد قام فعلاً.” دودز (Dods)
- “أثناء وجوده على الأرض، لم يستخدم يسوع مجده ليصنع المعجزات بل وضعه جانباً، واعتمد كلياً على عمل الآب العظيم من خلاله وعلى استجابة الصلاة.” آلفورد (Alford)
د ) الآيات (٤٣-٤٤): يسوع يقيم لعازر من الأموات
٤٣وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً!». ٤٤فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ».١.صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً!»: طلب يسوع من لعازر بكل بساطة أن يخرج من القبر. وآخرون ممن استخدمهم الله لقيامة الأموات في الكتاب المقدس غالباً ما استخدموا إجراءات أكثر تفصيلاً.
- صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:“قصد يوحنا أن يقول أنه صرخ بصوت مليء بالسلطان.” ترينش (Trench)
- “لم يكن الصراخ بصوت عظيم ضرورياً لكي يسمع الأموات. وربما كان، جزئياً على الأقل، ليعلم الكل أن هذا ليس عملاً سحرياً، بل قوة الله. فقد كان السحرة في القديم يُتَمتِمُونَ ويَصفُرُونَ تعويذاتهم ورُقْيَهم (راجع إشعياء ١٩:٨)، ولكن الأمر كان مختلفاً تماماً مع ابن الله.” موريس (Morris)
- “قال يسوع في مناسبة سابقة: تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ (يوحنا ٢٨:٥). فكانت هذه المناسبة عرضاً مميزاً لذلك السلطان.” تيني (Tenney)
٢.«لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً!»: تكلم يسوع مع لعازر الميت وكأنه على قيد الحياة لأنه هو الله ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتَى، وَيَدْعُو ٱلْأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ (رومية ١٧:٤).
- “كانت الكلمات المنطوقة موجزة ومباشرة وحتمية ويمكن إعادة صياغتها هكذا: ’يا لعازر! من هنا المخرج!‘ كما لو كان يسوع يوجه شخصاً ضائعاً في زنزانة مظلمة.” تيني (Tenney)
- “لا بد وأن الأموات قاموا في الحال بما أن المسيح ناداهم.” تراب (Trapp)
٣.فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ: قاتل يسوع الموت في قبر لعازر وسرق ما في القبر. وقال يسوع للموت إنه قريباً سيهزمه تماماً.
٤.وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ: لم يقم لعازر، بل تم إنعاشه من جديد. وقام مربوطاً بالأكفان لأنه سيحتاجها ثانية؛ أما عندما قام يسوع، ترك الأكفان خلفه في القبر لأنه لم يكن بحاجة إليه ثانية.
- “كيف استطاع الحركة، لا أعرف. يعتقد بعض الكُتاب القدامى أن الأكفان انزلقت عنه، وأن هذا كان جزءاً من المعجزة. ولكني اعتقد أنه ربما كان مربوطاً بشدة ولم يتمكن من السير على الإطلاق ومع ذلك ربما حاول السير كمن يحاول السير داخل كيس.” سبيرجن (Spurgeon)
٥.فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ»: لم يزل يسوع الأكفان التي كانت مربوطة على جسد لعازر بأعجوبة، لكنه طلب من الحاضرين أن يفعلوا ذلك. فقد فعل يسوع ما يستطيع الله وحده أن يفعله، ثم بحث عن تعاون الإنسان لتحرير لعازر نهائياً.
- “صحيح أن الرجل قام من بين الأموات، ولكنه لم يتحرير بالكامل. ها نحن نرى إنسان حي ملفوف بأقمطة الموت!” سبيرجن (Spurgeon)
- “لن يفعل الله مع الإنسان ما يستطيع الإنسان أن يفعله لنفسه، وعلى المؤمنين ألا يتوقعوا من الله أن يفعل ما يمكنهم هم أن يفعلوه للخطاة، وعليهم أن يعملوا بأنفسهم وفقاً للقدرات التي أعطاها الله لهم وعندما تتأزم الأمور وتصبح فوق الاحتمال، عندها يمكنهم طلب المعونة والتدخل الإلهي.” سبيرجن (Spurgeon)
رابعاً. رَدَّي الفعل
أ ) الآية (٤٥): ردة الفعل الأولى: الإيمان – فَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ … آمَنُوا بِهِ.
٤٥فَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ.١.فَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ:لم يتوقع الأشخاص الذين جاءوا لمواساة الاختين أن يؤخذ منهم سبب الحزن.
٢.وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ:كان هذا بلا شك عمل الله الرائع، وما حدث ساعد الكثيرين على وضع ثقتهم في حقيقة يسوع لأنهم نظروا مَا فَعَل.
ب) الآيات (٤٦-٤٨): قلق القادة الدينيين
٤٦وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ. ٤٧فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هَذَا ٱلْإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. ٤٨إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ ٱلْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي ٱلرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا».١.وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى ٱلْفَرِّيسِيِّينَ: استمر يوحنا في عرض فكرته الرئيسة، وهي أن كلام وعمل يسوع قسم البشرية إلى قسمين: قسم آمن وقسم رفض. ومع أن قَوْمٌ مِنْهُمْ رأوا سلطان يسوع وتعاطفه إلا أنهم تجاوبوا بالعمل ضده.
- “يا للدهشة! حتى بعد أن رأى قوم منهم هذه المعجزة قسوا قلوبهم، وليس هذا فحسب، بل تآمروا على تدمير هذا المخلص الحنون واللطيف والرائع!” كلارك (Clarke)
- دعا سبيرجن (Spurgeon) هذا التقرير الذي رفعوه إلى الفريسيين، كالتالي: “يعتبر هذا التصرف من أحقر التصرفات التي سجلت في تاريخ البشرية.”
- فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً: كان المجمع غير قانوني، بل: “كان لقاءاً عادياً للسنهدريم. وعرف يوحنا البشير هذه المعلومات إما عن طريق يوسف الذي من إريماثيا أو نيقوديموس أو أي عضو آخر من السنهدريم الذي أصبح مؤمناً فيما بعد.” ترينش (Trench)
٢.فَإِنَّ هَذَا ٱلْإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً: اعترف القادة الدينيون سراً بأن يسوع صنع آيات تدعم ادِّعَاءه أنه المسيا والله. وكما زعم يسوع: اَلْأَعْمَالُ ٱلَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِٱسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي (يوحنا ٢٥:١٠).
- تغيرت معارضتهم: عارضوا يسوع أولاً لأنهم لم يقتنعوا أنه المسيا، والآن عارضوه لأنهم كانوا مقتنعين أنه المسيا. واعترفوا بالمعجزات، ولكن انظروا كيف تعاملوا مع صانع المعجزات:
- أنكروه
- عارضوه
- خافوا من تأثيره على الناس
٣.إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ ٱلْجَمِيعُ بِهِ: عرف القادة الدينيون أن الاستجابة المنطقية لأعمال يسوع هي إيمان الكثيرين.
- ثمة فكرة رائعة مقترحة في هذه العبارة:’إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ ٱلْجَمِيعُ بِهِ‘ – وتعني لو تركناه ببساطة، سيظهر يسوع مجده.
- ومع ذلك، كان الفريسيين مخطئون في كلامهم. “تاريخياً ووفقاً لإرادة الله السيادية، أصبحنا مؤمنين ونعبد الله لأن الفريسيين لم يتركوا المسيح هكذا.” موريسون (Morrison)
٤.فَيَأْتِي ٱلرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا: بينما جذب يسوع مُتابعين أكثر، خشي القادة الدينيون أن يعتبره الرومان خطراً كبيراً. ورغبة منهم في الحفاظ على سلطاتهم ومكانتهم في المجتمع، تساءلوا كيف سيتعاملون مع مشكلة يسوع.
- يعتقد معظم المفسرين أن كلمة مَوْضِعَنَا تشير إلى الهيكل. فقد تعامل القادة اليهود مع الهيكل كمعبود، وكانوا مستعدين لقتل يسوع للحفاظ عليه.
- ’مَوْضِعَنَا‘ الذي كانوا خائفين أن يؤخذ منهم كان الهيكل (’ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُقَدَّسِ‘ المذكور في أعمال الرسل ١٣:٦ و٢٨:٢١).” بروس (Bruce)
- فكر القادة الدينيين في الهيكل وكأنه هيكلهم الخاص (مَوْضِعَنَا)، وكأنه ينتمي إليهم. ثمة العديد من قادة الكنائس اليوم يفعلون ذات الأمر، ويعتقدون فعلاً أن الكنيسة هي كنيستهم الخاصة بدلاً من فهم حقيقة أنها تنتمي إلى يسوع.
- وكانت المأساة الحقيقية أن رفضهم هذا أدى إلى خراب الأمة سياسياً وتدميرها في نهاية الأمر. “وقعت الكارثة التي كانوا يخشون منها في الوقت الذي كتب فيه هذا الإنجيل، ولكن لم يكن السبب وجود يسوع وأعماله.” بروس (Bruce)
ج) الآيات (٤٩-٥٢): مجمع قَيَافَا
٤٩فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً، ٥٠وَلَا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ ٱلْأُمَّةُ كُلُّهَا!». ٥١وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ ٱلْأُمَّةِ، ٥٢وَلَيْسَ عَنِ ٱلْأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ ٱللهِ ٱلْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ.١.أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ ٱلْأُمَّةُ كُلُّهَا!: فكر قيافا بأسلوب منطقي دون اعتبار للناحية الأخلاقية. فكان منطقياً أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ، ولكنه لم يكن مقبولاً أخلاقياً أن يرفض المسيا وأن يسعوا لقتل رجل بريء.
- إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ: “كان قيافا رئيس الكهنة طيلة فترة حكم بيلاطس البنطي التي دامت إحدى عشرة سنة. ولا تعني الكلمات ’فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ‘ أن رئيس الكهنة كان يتغير كل سنة، ولكن توجه هذه الكلمات اهتمامنا إلى ’تلك السنة (الاستثنائية).‘” آلفورد (Alford)
- أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً: “وفقاً ليوسيفوس، كان سلوك الصدوقيين فيه وقاحة حتى في تصرف أحدهم مع الآخر.” بروس (Bruce)
- وَلَا تُفَكِّرُونَ:“كلمة تستخدم لتقدير الحسابات وما شابه. وكأنه يقول أنهم لا يستطيعون حتى حساب أو إدراك أن مثل هذا الإجراء هو الأنسب ويخدم مصالحهم.” موريس (Morris)
٢.تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ ٱلْأُمَّةِ:“نطق قيافا بنبوة دون وعي أو إدراك لمعناها. نسب يوحنا الفضل لمنصب قيافا وليس لقيافه نفسه (كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ، تَنَبَّأَ).
- “حثهم على قتل يسوع: ولكنه استخدم كلمات دون وعي على شكل نبوة.” ترينش (Trench)
- “يمكنك العثور على سكر نقي في قصب السكر المسموم، وأن تجد حجراً كريماً داخل جسم ضفدع، كما يمكن أن يحمل الأعمى شعلة منارة.” تراب (Trapp)
٣.لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ ٱللهِ ٱلْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ: وضح يوحنا أن نبوة قيافا غير المقصودة كانت تفوق تصوراته. فموت يسوع سيجمع فعلاً خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ التي تحدث عنها في السابق (يوحنا ١٦:١٠).
- “كانت كلمات قيافا ليست كبيرة بما يكفي. كان يوحنا يملك رؤية عالمية.” موريس (Morris)
د ) الآيات (٥٣-٥٤): التآمر لقتل يسوع
٥٣فَمِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. ٥٤فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ عَلَانِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ.١.فَمِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ: كان القادة اليهود الأقل مرتبة في البداية يريدون قتل يسوع، أما الآن، فقد قرر ذوو السلطة السياسية الحقيقية قتل يسوع. وهكذا أصبح موت يسوع قريباً جداً.
- عبر ماكلارين (Maclaren) عن تفكير المجمع: “لا تهتموا بمعجزاته أو بتعاليمه أو بجمال شخصيته. فحياته خطر دائم على امتيازاتنا وحقوقنا. أنا أصوت لعقوبة الإعدام!”
- “آخر معجزة أثارت معارضة خصومه وحددت هدفهم.” مورغان (Morgan)
٢.فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ عَلَانِيَةً: ومرة أخرى، لم يفعل يسوع ذلك بدافع الخوف، بل لِأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ (كما في يوحنا ٣٠:٧) ولكنها قريبة جداً.
- مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ:تقع أفرايم شمال أورشليم بالقرب من السامرة. “مدينة أَفْرَايِم هي نفسها مدينة عَفْرُونَ المذكورة في سفر أخبار الأيام الثاني ١٩:١٣ وعَفْرَةَ المذكورة في يشوع ٢٣:١٨، فقد وقعت المدينة تحت حكم بنيامين أحياناً وأفرايم أحياناً أخرى في الحروب القديمة.” ترينش (Trench)
هـ) الآيات (٥٥-٥٧): البحث عن يسوع وقت عيد الفصح
٥٥وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ قَرِيباً. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ ٱلْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ. ٥٦فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَلْ هُوَ لَا يَأْتِي إِلَى ٱلْعِيدِ؟». ٥٧وَكَانَ أَيْضاً رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْراً أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ.١. قَبْلَ ٱلْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ:مما يعني أنها كانت الأيام الأخيرة قبل عيد الفصح، أي الوقت الذي سيتعرض فيه يسوع للخيانة وسيلقون القبض عليه ويُدان ويُصلب.
- “كانت بعض طقوس التطهير تتطلب أسبوعاً، والبعض الآخر تتطلب حلق الرأس وغسل الملابس فقط.” دودز (Dods)
- هَلْ هُوَ لَا يَأْتِي إِلَى ٱلْعِيدِ؟:“يبدو أنهم توقعوا الإجابة بالنفي على الجزء الثاني من أسئلتهم، ورأوا أنه من غير المحتمل في ظل الظروف الراهنة أن يأتي إلى العيد وأنه سيكون في منتهى الحماقة إن فعل ذلك.” موريس (Morris)
٢.وَكَانَ أَيْضاً رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْراً: كان معظم رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ من الصدوقيين وكانوا في العادة غير متعاونين مع ٱلْفَرِّيسِيُّين. ولكنهم توحدوا في تآمرهم ضد يسوع.