أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ – الأصحاح ١٤ – نهاية الرحلة التبشيرية الأولى
أولاً. فِي مدينة إِيقُونِيَةَ
أ ) الآية (١): نجاح خدمة بولس وبرنابا التبشيرية في إيقونية
١وَحَدَثَ فِي إِيقُونِيَةَ أَنَّهُمَا دَخَلَا مَعًا إِلَى مَجْمَعِ ٱلْيَهُودِ وَتَكَلَّمَا، حَتَّى آمَنَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ.
١.. دَخَلَا مَعًا إِلَى مَجْمَعِ ٱلْيَهُودِ: قام رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ فِي أَنْطَاكِيَةَ بطرد بولس وبرنابا من المدينة. وعند وصولهما إلى إِيقُونِيَةَ بدءا خدمتهما الكرازية ثانية بالتكلم في مَجْمَعِ ٱلْيَهُودِ. وكانت تلك لا تزال أفضل طريقة لبدء الخدمة.
٢. وَتَكَلَّمَا… حَتَّى آمَنَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ: حظي بولس وبرنابا بنجاح باهر بين اليهود واليونانيين بتقديم نفس البشارة لكليهما. إيمان جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ يدل على أن بولس كرز بنفس الرسالة للطرفين: “يمكنك الخلاص بالإيمان بيسوع وبوضع ثقتك به والاتكال عليه.”
- كان النجاح منعشاً لأنهم تعرضوا للطرد في أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ بعد نجاح ساحق هناك (أعمال الرسل ٥٠:١٣).
- كان بولس يفضل كثيراً البقاء في منطقة ما لفترة طويلة من الوقت وذلك لتعزيز الكنائس والأماكن التي تجاوبت مع الكرازة. وبالتالي يمكننا القول أن الاضطهاد الذي تعرض له بولس في أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ ما هو إلا طريقة الله لنقله إلى إِيقُونِيَةَ وغيرها من الأماكن.
- وَتَكَلَّمَا: قدم بولس وبرنابا الأخبار السارة بطريقة حثت الناس على الإيمان. فالطريقة التي كرزوا بها شجعت الناس على الإيمان بيسوع وبما فعله لأجلهم.
ب) الآيات (٦-٢): الخدمة الناجحة خلقت المعارضة ودفعت بولس وبرنابا خارج إِيقُونِيَةَ
٢وَلَكِنَّ ٱلْيَهُودَ غَيْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَرُّوا وَأَفْسَدُوا نُفُوسَ ٱلْأُمَمِ عَلَى ٱلْإِخْوَةِ. ٣فَأَقَامَا زَمَانًا طَوِيلًا يُجَاهِرَانِ بِٱلرَّبِّ ٱلَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا. ٤فَٱنْشَقَّ جُمْهُورُ ٱلْمَدِينَةِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ ٱلْيَهُودِ، وَبَعْضُهُمْ مَعَ ٱلرَّسُولَيْنِ. ٥فَلَمَّا حَصَلَ مِنَ ٱلْأُمَمِ وَٱلْيَهُودِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ هُجُومٌ لِيَبْغُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا، ٦شَعَرَا بِهِ، فَهَرَبَا إِلَى مَدِينَتَيْ لِيكَأُونِيَّةَ: لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ، وَإِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ. ٧وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ.
١. وَلَكِنَّ ٱلْيَهُودَ غَيْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَرُّوا وَأَفْسَدُوا نُفُوسَ ٱلْأُمَمِ عَلَى ٱلْإِخْوَةِ: وضح لوقا أنه ليس كل اليهود عارضوه في إِيقُونِيَةَ بل آمن الكثيرون منهم (أعمال الرسل ١:١٤)، وأنه لم يرفض المعارضين الرسالة فحسب بل غَرُّوا (هَيَّجُوا) الآخرين وحَرَّضُوهُمْ ضد الرسالة والمُرسلين (عَلَى ٱلْإِخْوَةِ).
٢. فَأَقَامَا زَمَانًا طَوِيلًا: أقاموا هناك زماناً طويلاً رغم المعارضة ولم يتركوا إلا عندما أصبح الوقت مناسباً. وفعلوا ذلك لأنهم عرفوا حاجة المؤمنين في إيقونية إلى كل الأسس الممكنة للصمود بقوة في مدينة تكثر فيها المعارضة.
- كتب بروس (Bruce): “واصل المبشرون الكرازة بحرية وبكل مجاهرة لأن المعارضة استغرقت وقتاً طويلاً قبل أن تتحول لخطر.”
٣. يُجَاهِرَانِ بِٱلرَّبِّ: استمر بولس وبرنابا يجاهران ويشهدان عن كَلِمَةِ نِعْمَتِهِ ويغيران حياة الناس بقوة يسوع رغم المعارضة.
- وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا: علّقَ كلارك (Clarke) على هذه الآية: “لا يستطيع أي رسول أن يصنع معجزة بقوته الشخصية. ولم تُجرى أية آيات أو عجائب على أيدي أعظم الرسل بسبب قوته الخاصة ولكن بقوة خاصة من الله وحسب تدبيره. لم يتحلوا بهذه القوة دائماً.”
٤. ٱلَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ: أكدت المعجزات على الرسالة التي كانوا يشهدون عنها – أكدت على كَلِمَةِ نِعْمَتِهِ. وهي الكلمة الوحيدة التي تمنح الخلاص لليهود والأمم على قدم المساواة.
- كتب بروس (Bruce): ” يُدعى الخبر السار هنا كَلِمَةِ نِعْمَتِهِ لأن النعمة الإلهية هي الموضوع الأساسي.”
٥. حَصَلَ مِنَ ٱلْأُمَمِ وَٱلْيَهُودِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ هُجُومٌ لِيَبْغُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا، شَعَرَا بِهِ، فَهَرَبَا: ترك بولس وبرنابا إِيقُونِيَةَ وهربا إلى لِسْتِرَةَ (تبعد حوالي ٣٣ كيلومتراً) وَدَرْبَةَ. مثابرتهم أثناء المصاعب في إِيقُونِيَةَ لا يعني أن الوقت قد حان ليموتا كشهيدين.
- أول من أطلق على بولس وبرنابا لقب ٱلرَّسُولَيْنِ كان أعمال الرسل ٤:١٤ والمرة الثانية كان في أعمال الرسل ١٤:١٤. ولكن استخدم بولس هذا اللقب العديد من المرات في رسائله.
٦. مَدِينَتَيْ لِيكَأُونِيَّةَ: لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ: أكد ويليام رامزي (William Ramsay) أن مدينتي لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ كانتا جزءً من مقاطعة لِيكَأُونِيَّةَ الرومانية بين العامين ٣٧ و٢٧ ق.م. فقط وهي الفترة الزمنية الصحيحة والدقيقة للأحداث التي جرت في أعمال الرسل. وبسبب هذا أقتنع رامزي بصحة الكتاب المقدس وخاصة في عصر مليء بالقصص الملفقة والأساطير.
ثانياً. في مَدِينَتَيْ لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ
أ ) الآيات (١٠-٧): شفاء رجل كسيح في لسترة
٧وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ. ٨وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتْرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ ٱلرِّجْلَيْنِ مُقْعَدٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يَمْشِ قَطُّ. ٩هَذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَانًا لِيُشْفَى، ١٠قَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا!». فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي.
١. وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ: صنع بولس وبرنابا الكثير من المعجزات ولكن سجلت واحدة منها فقط في المقطع التالي. لم يسافرا كصناع للمعجزات بل كان تركيزهم الأول على الكرازة (وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ).
- كتب بويس (Boice): “لم يذهب الرسل إلى تلك المدن لصنع المعجزات ومن ثم تقديم البشارة، بل كان يحصل العكس تماماً: كانوا يذهبون لتقديم البشارة وأثناء ذلك قاموا ببعض المعجزات أحياناً.”
٢. هَذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ: سمع الرجل المُقْعَد وعظ بولس عن يسوع وأظهر في تصرفاته إيمانه بقدرة يسوع على تغيير الحياة. كان يملك إِيمَانًا لِيُشْفَى.
- انتقل الرجل المُقعد من بَطْنِ أُمِّهِ (عَاجِزُ ٱلرِّجْلَيْنِ) عن عمل يسوع إلى الإيمان به. لا يتجاوب الجميع بهذه الطريقة دائماً ولكن عليهم ذلك.
٣. وَإِذْ رَأَى (بولس) أَنَّ لَهُ إِيمَانًا لِيُشْفَى: كان هناك شيء مميز في إيمان هذا الرجل. ومن المرجح أيضاً أن الله أعطى بولس نعمة التمييز ليعرف أن مشيئته كانت شفاء هذا الرجل في الحال.
- كتب بروس (Bruce): “كان إيمان هذا الرجل المُقعد واضحاً للغاية بطاعته الفورية لأمر بولس.”
ب) الآيات (١٣-١١): أعلن الجمهور المتحمس في لِسْتْرَة أن بولس وبرنابا كانا آلهة يونانية يزوران الأرض
١١فَٱلْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ، رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: «إِنَّ ٱلْآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِٱلنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». ١٢فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ ٱلْمُتَقَدِّمَ فِي ٱلْكَلَامِ. ١٣فَأَتَى كَاهِنُ زَفْسَ، ٱلَّذِي كَانَ قُدَّامَ ٱلْمَدِينَةِ، بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ عِنْدَ ٱلْأَبْوَابِ مَعَ ٱلْجُمُوعِ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ.
١. «إِنَّ ٱلْآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِٱلنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا»: رأى هؤلاء الناس معجزة هائلة أمامهم ولكن فكرتهم عن حقيقة الله لم تتغير وبالتالي بدا منطقياً بالنسبة لهم أن يعتبروا بولس وبرنابا من الآلهة.
- • كل ما فعلته المعجزة كان جذب الإنتباه وهذا أمر غير مطلوب البتة. فالمعجزة نفسها لم تُخلص أحداً.
٢. فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ ٱلْمُتَقَدِّمَ فِي ٱلْكَلَامِ: وحسب الأساطير اليونانية كان من الشائع أن تنزل الآلهة من السماء إلى الأرض وتأخذ صورة إنسان رغم أنها لم تفعل ذلك دائماً لخير الإنسان.
- انتشرت اسطورة بين أهل لِسْتْرَة عن زيارة زَفْسَ (Zeus زِيُوسَ) وهَرْمَسَ لأرضهم متخفيين كبشر ولكن لم يستضيفهم أحد في المدينة باستثناء زوجين عجوزين وفي غضبهما قتل زفس وهرمس كل السكان ما عدا الزوجين. وهذا يُوضح لماذا أسرع أهل لسترة في تكريم بولس وبرنابا.
٣. وَبُولُسَ «هَرْمَسَ»: كان معروفاً أن هرمس كان رسولاً للآلهة وبالتالي كان منطقياً أن يعتبروا بولس «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ ٱلْمُتَقَدِّمَ فِي ٱلْكَلَامِ (الأكثرهم كلاماً). ويبدو أن برنابا عكس سلطة أعلى من بولس لهذا اعتبروه «زَفْسَ».
- تطور تعظيمهم لبولس وبرنابا لأنهم رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ. كتب بروس (Bruce): “استخدام الحشود لهذه اللغة يفسر لماذا لم يفهم بولس وبرنابا ما كان يحدث إلى أن بدأوا في التحضيرات لتقديم الذبائح لهم.”
- عندما رأى بولس وبرنابا كَاهِنُ زَفْسَ، بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ… يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ عرفوا أن الأمور قد خرجت عن السيطرة. فقد كان هذا أكثر بكثير من مجرد تكريم ضيوف عاديين يزورون المدينة.
ج) الآيات (١٨-١٤): بولس يناشد الحشد بتمييز ٱلْإِلَه الحق بدلاً من عبادة بولس وبرنابا
١٤فَلَمَّا سَمِعَ ٱلرَّسُولَانِ، بَرْنَابَا وَبُولُسُ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وَٱنْدَفَعَا إِلَى ٱلْجَمْعِ صَارِخَيْنِ ١٥وَقَائِلِينِ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلَامٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ ٱلْأَبَاطِيلِ إِلَى ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، ١٦ٱلَّذِي فِي ٱلْأَجْيَالِ ٱلْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ ١٧مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلَا شَاهِدٍ، وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْرًا: يُعْطِينَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَمْطَارًا وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلَأُ قُلُوبَنَا طَعَامًا وَسُرُورًا». ١٨وَبِقَوْلِهِمَا هَذَا كَفَّا ٱلْجُمُوعَ بِٱلْجَهْدِ عَنْ أَنْ يَذْبَحُوا لَهُمَا.
١. مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا: فعلوا هذا ليُظهروا لأهل لِسْتْرَة أنهم بشر مثلهم وكردة فعل طبيعية من أي شخص يهودي عند التجديف. فلم تكن تسميتهم آلهة غير مناسبة فحسب بل اعتبروه تجديفاً أيضاً.
٢. نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ ٱلْأَبَاطِيلِ: يا لها من كلمات قوية تلك التي وجهها بولس للحشد الذي كان جاداً في عبادته للأوثان. لم يخشى بولس من قول الحق وبأن عبادة الأوثان عبادة باطلة وعليهم أن يرْجِعُوا عنها.
- عندما أخبرهم بولس بالمزيد عن يسوع وعما فعله طلب منهم أن يرجعوا بشكل خاص مِنْ هَذِهِ ٱلْأَبَاطِيلِ إِلَى ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ. فمن المستحيل إضافة يسوع إلى عبادتهم الوثنية.
٣. ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا: دعا بولس الحشد أن يتأملوا في الله الحق الذي خلق كل الكون وليس بالآلهة اليونانية الوهمية وقليلة الشأن.
- الأمور التي ذكرها بولس في أعمال الرسل ١٧:١٤ (وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْرًا: يُعْطِينَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَمْطَارًا وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلَأُ قُلُوبَنَا طَعَامًا وَسُرُورًا) هي نفسها الأمور التي اعتقد الناس أن زَفْسَ كان يعطيها. قال لهم بولس أن هذه البركات هي من الإله الحق الذي يعيش في السماء وليس من زيوس.
- إحسان الله نحو البشر (يعطي المطر والمحاصيل المثمرة) ما هو إلا دليل على محبته وسلطانه، وهو ما يدعوه اللاهوتيين في بعض الأحيان بالنعمة العامة.
- كرازة بولس لهؤلاء الوثنيون كانت تختلف تماماً عن كرازته لليهود أو لمن يعرفون شيئاً عن الديانة اليهودية. لم يقتبس من العهد القديم بل استخدم إعلان الله في الطبيعة وهي أمور يستطيع حتى الوثني أن يفهمها من النظر إلى العالم حوله.
٤. وَبِقَوْلِهِمَا هَذَا كَفَّا ٱلْجُمُوعَ بِٱلْجَهْدِ عَنْ أَنْ يَذْبَحُوا لَهُمَا: ومع كل هذا وجد بولس وبرنابا صعوبة في تحدي المفاهيم الخاطئة عن الله التي تمسك بها أهل لِسْتْرَة.
د ) الآيات (٢٠-١٩أ): الاضطهاد يلاحق بولس
١٩ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا ٱلْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. ٢٠وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ ٱلتَّلَامِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ.
١. ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ: لم يكتفي هؤلاء المقاومين بطرد بولس من منطقتهم (أعمال الرسل ٥:١٤-٦) بل تبعوه وجلبوا الاضطهاد معهم.
- قطع هؤلاء المضطهدين اليَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ أكثر من ١٦٠ كيلومتر فقط للتنكيد على بولس. كانوا أعداء بولس الأوفياء.
٢. وَأَقْنَعُوا ٱلْجُمُوعَ: حرضوا أهل لِسْتْرَة ضد بولس وبرنابا وشجعوهم على رجم بولس. كانت تلك من الواضح محاولة لقتل بولس وبرنابا من نفس الأشخاص الذين أرادوا عبادتهم من فترة وجيزة.
- هذا دليل واضح على سهولة تقلُّب الرأي العامّ. فالإعجاب بالمعجزة والرغبة في عبادة بولس وبرنابا كآلهة لم يدوم طويلاً.
- من الخطر أن يسمح القائد الروحي أو يشجع على مثل هذا النوع من العبادة (تعظيم البطل). فالأشخاص الذين يقدمون مثل هذا النوع من التعظيم سيشعرون بالخيانة الشديدة عندما يكتشفوا أن القائد مجرد إنسان عادي.
٣. فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ ٱلتَّلَامِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ: حافظ الرب على حياة بولس بمعجزة. اعتقد البعض أنه قد مات بالفعل ولكنه قام ثانية لأن الرجم عادة كان يؤدي إلى الموت المؤكد.
- عندما كتب بولس لاحقاً: “لِأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ” (غلاطية ١٧:٦) كان يفكر غالباً بالجراحات التي سببتها حادثة الرجم هذه. أشار أيضاً إلى نفس الحادثة لاحقاً في كورنثوس الثانية ٢٥:١١.
- هناك اقترح أن الرؤيا السماوية التي وصفها بولس في كورنثوس الثانية ١٢ جاءت أثناء هذا الهجوم. هذا محتمل ولكنه مجرد تخمين.
- من المنطقي أن نتخيل بولس يتذكر استيفانوس عندما كان يرجم وكيف لعب هو دوراً في استشهاده (أعمال الرسل ٥٨:٧–١:٨).
٤. قَامَ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ: لم يهرب بولس من المدينة التي رجمته بعد أن عاد إلى الحياة بل رجع إليها دون تردد. قام هؤلاء الغوغاء بطرده من أنطاكية وإيقونية ولكنه كان عازماً على ترك لسترة وفقاً لشروطه الخاصة.
- نتعرف في أعمال الرسل ١:١٦ على شاب مؤمن ووالدته من لِسْتْرَة اسمه تيموثاوس. لعل تيموثاوس كان شاهداً لما حدث وهذا ربما شجعه على تلبية الدعوة الإلهية للخدمة لاحقاً ملاحظاً شجاعة وقوة بولس في الخدمة.
هـ) الآيات (٢٠ب-٢١أ): بولس يترك لِسْتْرَة متجهاً نحو مدينة دَرْبَة حيث لاقى المزيد من النجاح في الخدمة
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي سَافَرَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ، ٢١وَبَشَّرَا أَهْلَهَا، فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ تَلاَمِيذَ لِلرَّبِّ.
١. وَبَشَّرَا أَهْلَهَا، فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ تَلاَمِيذَ لِلرَّبِّ: لم يتوقف عمل الله على الرغم من الاضطهاد في لِسْتْرَة بل انتقل إلى مكان آخر: دَرْبَة. استمر بولس وبرنابا في خدمتهم: بَشَّرَا بالأخبار السارة وصنعا تَلاَمِيذَ لِلرَّبِّ.
ثالثاً. رحلة العَودَةُ إلَى الوطن في أنطاكِيَةَ السُورِيَّة
أ ) الآيات (٢١ب-٢٢): رسالة بولس وبرنابا في رحلة العودة
ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتَرَةَ، وَمِنْهَا إِلَى إِيْقُونِيَةَ، وَأَخِيراً إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. ٢٢وَفِي هَذِهِ الأَمَاكِنِ كُلِّهَا كَانَا يُشَدِّدَانِ عَزِيمَةَ التَّلاَمِيذِ، وَيَحُثَّانِهِمْ عَلَى الثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ، مُؤَكِّدَيْنِ لَهُمْ أَنَّ دُخُولَ مَلَكُوتِ اللهِ يَقْتَضِي أَنْ نُقَاسِيَ صُعُوبَاتٍ كَثِيرَةً.
١. كَانَا يُشَدِّدَانِ عَزِيمَةَ التَّلاَمِيذِ، وَيَحُثَّانِهِمْ عَلَى الثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ: عندما قرر بولس وبرنابا العودة إلى الوطن في أنطاكية مرا عبر المدن التي زاروها من قبل لتعزيز وتشجيع المؤمنين فيها. أراد بولس وبرنابا أن يفعلا أكثر من مجرد تقديم البشارة، كانا يملكان شغفاً كبيراً لصنع التَّلاَمِيذِ.
- احتاج الكثير من المؤمنين للتشجيع والحث عَلَى الثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ. فالسير مع الله ليس بالأمر السهل عاماً وراء الآخر وتجربة بعد أخرى بل يتطلب عزيمة وقوة وثبات في الإيمان.
٢. مُؤَكِّدَيْنِ لَهُمْ أَنَّ دُخُولَ مَلَكُوتِ اللهِ يَقْتَضِي أَنْ نُقَاسِيَ صُعُوبَاتٍ كَثِيرَةً: استخدموا هذه الرسالة لتعزيز وتشجيع هؤلاء التلاميذ. كانت رسالة بسيطة للغاية وحياة بولس الشخصية كانت أعظم برهان على صحتها. كان بإمكان بولس نشر هذه الرسالة لأنه عاشها.
- هذه رسالة مَنْسِيّة من كثيرين اليوم. ويعتبرون أي مصاعب لها نتائج عكسية على الحياة المسيحية غير مدركين أهمية الألم في خطة الله.
ب) الآية (٢٣): خدمة بولس وبرنابا في رحلة العودة إلى الوطن في أنطاكية السورية
٢٣وَٱنْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَٱسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ ٱلَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ.
١. وَٱنْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ (الترجمة العربية المبسطة تستخدم كلمة: شُيُوخاً): كان بولس وبرنابا ملتزمين ليس بخلاص مؤمنين جدد فحسب بل بإنشاء كنائس جديدة أيضاً، وهي الأماكن التي يمكن أن ينمو فيها هؤلاء المؤمنين الجدد ويثبتوا في الرب.
- كتب بويس (Boice): “ترك الرسل وراءهم مجموعة صغيرة من المؤمنين الذين كانوا بالكاد يملكون أي تعليم لأن الرسل مكثوا هناك بضعة أسابيع فقط. فكيف يمكنهم النجاة؟ يمكنهم النجاة لأن الله هو الراعي الحقيقي للخدمة والكنيسة هي كنيسته.”
٢. وَٱنْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ: كان بولس وبرنابا يعلمان أن هذه الكنائس تحتاج لإدارة سليمة لهذا عينوا رعاة في كل مدينة فيها مؤمنين.
- كتب بروس (Bruce): “أشير أكثر من مرة إلى أن السياسة الحديثة للكرازة تعتقد أن وضع المؤمنين حديثي الإيمان في مناصب قيادية في الكنيسة يعتبر أمراً خطيراً للغاية؛ ربما كان بولس وبرنابا أكثر وعياً بحضور وقوة الروح القدس في مجتمع الكنيسة.”
٣. ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ: أَعْرَبَ كلٍ من بولس وبرنابا عن قلقهما الشديد بشأن صحة هذه الكنائس بالصوم والصلاة.
٤. وَٱسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ ٱلَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ: ولكن كان عليهم في النهاية وضع ثقتهم بقدرة الله للحفاظ على صحة هذه الكنائس وَٱسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ. فقد آمن هؤلاء في الرب وليس في بولس أو برنابا أو بالشيوخ أو القساوسة. تنتمي الكنيسة ليسوع وليس للأشخاص.
ج) الآيات (٢٦-٢٤): خط سير رحلة بولس وبرنابا إلى الوطن
٢٤وَلَمَّا ٱجْتَازَا فِي بِيسِيدِيَّةَ أَتَيَا إِلَى بَمْفِيلِيَّةَ. ٢٥وَتَكَلَّمَا بِٱلْكَلِمَةِ فِي بَرْجَةَ، ثُمَّ نَزَلَا إِلَى أَتَّالِيَةَ. ٢٦وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، حَيْثُ كَانَا قَدْ أُسْلِمَا إِلَى نِعْمَةِ ٱللهِ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي أَكْمَلَاهُ.
١. وَلَمَّا ٱجْتَازَا فِي بِيسِيدِيَّةَ: رجعوا مستخدمين إلى حد كبير نفس خط السير الذي جاؤوا منه. لم يتوقفوا في جزيرة قبرص بل سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ عائدين إلى شعب كنيستهم.
٢. لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي أَكْمَلَاهُ: لا تعبر هذه الكلمات الرائعة عن كل الحقيقة. فعلى الرغم من أن الإرسالية الحالية قد انتهت إلا أن زرع الكنائس الجديدة وتعزيز الكنائس القائمة لم ينتهي. هذه مجرد أول رحلة من عدة رحلات تبشيرية قادمة.
د ) الآيات (٢٨-٢٧): وصول بولس وبرنابا إلى أَنْطَاكِيَةَ
٢٧وَلَمَّا حَضَرَا وَجَمَعَا ٱلْكَنِيسَةَ، أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللهُ مَعَهُمَا، وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلْأُمَمِ بَابَ ٱلْإِيمَانِ. ٢٨وَأَقَامَا هُنَاكَ زَمَانًا لَيْسَ بِقَلِيلٍ مَعَ ٱلتَّلَامِيذِ.
١. أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللهُ مَعَهُمَا، وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلْأُمَمِ بَابَ ٱلْإِيمَانِ: لم يكن نجاحهم في الكرازة بين الأمم في أنطاكية وبركة الله التي كانت ظاهرة أمراً فريداً من نوعه. فقد أراد الله أن يكرر هذا العمل في جميع أنحاء العالم.
- كتب ويليامز (Williams): “استخدم لوقا الفعل أَخْبَرَا بِكُلِّ هذه الأشياء في صيغة الماضي الناقص ربما ليشير إلى تكرار الأمر بينما كانا يتقابلان مع كل مجموعة من المجموعات التي كانت منتشرة في جميع أنحاء المدينة. ولكن علينا أن نلاحظ أن كلمة ٱلْكَنِيسَةَ أتت بصيغة المفرد رغم وجود أكثر من مجموعة يلتقون في أوقات وأماكن مختلفة، فهناك كنيسة واحدة فقط.”
٢. وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلْأُمَمِ بَابَ ٱلْإِيمَانِ: تكللت الرحلة بنجاح باهر ولكن كان هناك عقبات كبيرة: صعوبة السفر في حد ذاته والمواجهة مع عَلِيمُ الساحر في قبرص وتخلي يوحنا مرقس عنهم وطردهم من مدينتي أنطاكِيَّةَ وإيقُونِيَّةَ وتجربة عبادة الآخرين لهم والرجم في لِسْتْرَة. ومع كل هذا، لم يتخلى بولس وبرنابا عن الخدمة التي أوكلها الله إليهم.
- يجب أن يُسأل هذا السؤال لكل مؤمن: “ما هو الشيء الذي سيجعلك تتخلى عن تحقيق إرادة الله لحياتك؟ ما هي نوع التجربة أو العائق أو المعارضة التي ستثنيك عن مهمتك؟” لم يمنع يسوع شيء عن تحقيق مشيئة الله لنا. وبالتالي لن يعيقنا شيء حينما نوجه نظرنا نحوه.
- وأعرب بولس لاحقاً عن هذا الدافع للخدمة في رسالته لأهل فيلبي: “لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ ٱلَّذِي لِأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا ٱلْمَسِيحُ يَسُوعُ. أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ ٱلْغَرَضِ لِأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللهِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (فيلبي ١٢:٣-١٤)
٣. وَأَقَامَا هُنَاكَ زَمَانًا لَيْسَ بِقَلِيلٍ مَعَ ٱلتَّلَامِيذِ: أخذ بولس وبرنابا قسطاً من الراحة حتماً بعد عودتهم إلى الكنيسة في أنطاكية السورية ووجدا أيضاً الكثير من الخدمة هناك.