أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ – الأصحاح ١٢ – اِستِشهاد يعقوب وإِطْلاق سَراحِ بطرس
أولاً. استشهاد يعقوب الرسول
أ ) الآية (١): هِيرُودُسُ يُسِيءَ إِلَى الْكَنِيسَةِ
١وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ مَدَّ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيءَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ.
١. هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ: كان هيرودس أغريباس الأول حفيد هيرودس الأكبر الذي حكم أيام ولادة يسوع (<متى ١:٢-١٦) وابن أخ هيرودس أنتيباس الذي كان له دور في محاكمة يسوع (لوقا ٧:٢٣-١٢).
٢. مَدَّ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيءَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ: فعل ذلك حتماً ليكتسب شعبية أكبر على الصعيد السياسي ولأن هذا كان سيُرضي مواطنيه المعادين للمسيحية. لم يتردد العديد من الشخصيات السياسية في اضطهاد المسيحيين إن كان هذا سيزيد من شعبيتهم سياسياً.
ب) الآية (٢): موت يعقوب الرسول
٢فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِٱلسَّيْفِ.
١. فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِٱلسَّيْفِ: كان هذا تطوراً جديداً في تاريخ الكنيسة. فمن بين ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ الذين تبعوا يسوع كان يعقوب أول شهيد.
- كانت الكنيسة حتى أعمال الرسل الأصحاح ١٢ تسير نحو النجاح وتفرح بخلاص الكثيرين: خلاص شاول الطرسوسي وخلاص كرنيليوس قائد المئة والخدمة الرائعة وسط الأمم (واليهود) في أنطاكية. ولكن ها هي المعارضة القبيحة بإرشاد من الشيطان تطل برأسها من جديد في أعمال الرسل الأصحاح ١٢.
- لم يكن يعقوب أول مسيحي يستشهد من أجل إيمانه بيسوع. مات استيفانوس قبله (أعمال الرسل ٥٨:٧-٦٠) ثم تبعهُ بالتأكيد آخرون. ولكن حطم موت يعقوب الرسول المعتقد الخاطئ بأن الإثنا عشر يتمتعون بحماية إلهية خاصة.
٢. يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا: اعتقد البعض أن يعقوب بالذات تمتع بحماية خاصة لأنه كان واحد من المقربين إلى يسوع وذُكرَّ أكثر مع شقيقه يوحنا ومع بطرس (متى ١:١٧، ٣٧:٢٦، مرقس ٣٧:٥، ٢:٩، ٣٣:١٤، لوقا ٣٧:٥، ٢:٩ و٣٣:١٤).
- لم يقدم يسوع لتلاميذه المقربين وعداً بحماية خاصة بل حذرهم على أهمية الاستعداد لمواجهة الاضطهاد (متى ١٦:١٠-٢٦).
- جاء يوحنا وشقيقه يعقوب عند يسوع وطلبا أن يكونا من كبار مساعديه ( إنجيل مرقس ٣٥:١٠-٤٠) فكان رد يسوع كالتالي: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا ٱلْكَأْسَ ٱلَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِٱلصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟ لم يعرف يعقوب ويوحنا حقاً ما يقولان فكان ردهما: نَسْتَطِيعُ. لهذا وعدهم يسوع قائلاً: أَمَّا ٱلْكَأْسُ ٱلَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وهذا ما فعله يوحنا وهكذا تَمَّمَ هذا الوعد مكرساً حياته لخدمة الرب رغم المحاولات المتكررة لقتله.
٣. بِٱلسَّيْفِ: أي قُطعَّ رأسه. يروي يوسابيوس من كليمنت الإسكندرية قصة عن الجندي الذي كان يحرس يعقوب أثناء مثوله أمام القاضي وكيف تأثر من شهادة يعقوب وأعلان إيمانه واستعداده ليُعدم مع يعقوب من أجل يسوع (Eusebius, Church History ٢.٩.٢-٣).
- ومن المثير للاهتمام أنهم لم يحاولوا استبدال يعقوب كما حدث مع يهوذا (أعمال الرسل ١). لم يكن هناك داع لحلول رجل آخر مكان يعقوب لأنه مات كشهيد أمين أما يهوذا فكشف عن ارتداده بخيانة يسوع.
ثانياً. إطلاق سراح بطرس من السجن
أ ) الآيات (٤-٣): هيرودس يسجن بطرس
٣وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُرْضِي ٱلْيَهُودَ، عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضًا. وَكَانَتْ أَيَّامُ ٱلْفَطِيرِ. ٤وَلَمَّا أَمْسَكَهُ وَضَعَهُ فِي ٱلسِّجْنِ، مُسَلِّمًا إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابِعَ مِنَ ٱلْعَسْكَرِ لِيَحْرُسُوهُ، نَاوِيًا أَنْ يُقَدِّمَهُ بَعْدَ ٱلْفِصْحِ إِلَى ٱلشَّعْبِ.
١. وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُرْضِي ٱلْيَهُودَ: عندما رأى هيرودس شعبيته تزداد عندما قتل يعقوب عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضًا لكسب المزيد من الشعبية.
- يوجد فرق شاسع بين اضطهاد شاول الطرسوسي (أعمال ١:٨-٣) واضطهاد هيرودس. كان شاول مخطئاً طبعاً ولكنه بنى اضطهاده على قناعة دينية صادقة (رغم ضلالها) في المقابل بنى هيرودس اضطهاده على دوافع سياسية بحتة.
٢. نَاوِيًا أَنْ يُقَدِّمَهُ بَعْدَ ٱلْفِصْحِ إِلَى ٱلشَّعْبِ: اختار هيرودس التعامل مع بطرس في أنسب وقت سياسياً ولهذا ابتعد عن عيد الفصح خوفاً من ردة فعل الجماهير الذين ملئوا المدينة.
- اقترح هورتون (Horton) ثلاثة أسباب لتأجيل إعدام بطرس: أن يثبت احترامه الشديد لعيد الفصح، وأن يرجع الحجاج لديارهم خوفاً من الشغب وأن يحظى بالاهتمام الكامل من اليهود.
٣. مُسَلِّمًا إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابِعَ مِنَ ٱلْعَسْكَرِ: وضع هيرودس حراسة مشددة على بطرس بسبب هروبه السابق من السجن (
أعمال الرسل ١٧:٥-٢١).
- كتب ستوت (Stott): “جرت العادة أن يحرس جندي واحد السجين ولكن كإجراء أمني كان هناك جندي من كل جانب يحرس بطرس المكبل بالأغلال.”
- كتب هيوز (Hughes): “عينوا أربعة جنود لحراسة بطرس: ربطوه بسلاسل باثنين (بدلاً من واحد) كتدبير وقائي (Seneca, Epistulae, ٥:٧) ووقف اثنين لحراسته عند باب الزنزانة.”
ب) الآية (٥): الكنيسة تُصلي لبطرس
٥فَكَانَ بُطْرُسُ مَحْرُوسًا فِي ٱلسِّجْنِ، وَأَمَّا ٱلْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلَاةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى ٱللهِ مِنْ أَجْلِهِ.
١. وَأَمَّا ٱلْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلَاةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى ٱللهِ مِنْ أَجْلِهِ: كان هيرودس في هذا الصراع يحارب بجنوده وسجنه أما الكنيسة فكانت تحارب بقوة الصلاة. ستظهر النتيجة قريباً والبت فيها سيكون سهلاً.
- بينما كان بطرس مَحْرُوسًا (مُحتَجَزاً) فِي ٱلسِّجْنِ كانت الكنيسة تصلي بلجاجة من أجله. عندما تقفل كل الأبواب أمامنا يبقى باب السماء مفتوحاً على مصراعيه وعلينا استغلاله لرفع الصلاة.
٢. صَلَاةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى ٱللهِ مِنْ أَجْلِهِ: تحمل كلمة لَجَاجَةٍ فكرة الجدية والثبات والاستمرار وتعكس حرفياً صورة شخص يمد يده قدر المستطاع ليُمسك بشيء ما. كتب مكارثر (MacArthur): “الفعل إكتينوس ektenos مرتبط بإكتينس ektenes وهو مصطلح طبي يصف مد العضلات لأقصى درجة.”
- استخدم لوقا الكلمة إكينوسektenos للتعبير عن صلاة يسوع في جثسيماني والتي كانت بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ (لوقا ٤٤:٢٢).
- لا تُستجاب معظم صلواتنا لأننا لا نرفعها بلجاجة. ونصلي أحياناً بطريقة معينة لنحث الله على الاهتمام بتلك الأمور التي لا نهتم بها حقاً.
- توجد قوة في الصلاة بلجاجة ليس لأنها تغير فكر الله بل لأنها تُظهر أننا نهتم حقاً بالأمور التي على قلبه متممين وعد يسوع: إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلَامِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ (يوحنا ٧:١٥).
٣. صَلَاةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى ٱللهِ: الجدير بالملاحظة أن الكنيسة رفعت صلاتها إِلَى ٱللهِ. تبدو صلاتنا ضعيفة أحياناً لأننا لا ندخل محضر الله القدوس بذهن صافٍ.
ج ) الآيات (١١-٦): يرسل الله ملاكاً لتحرير بطرس من السجن
٦وَلَمَّا كَانَ هِيرُودُسُ مُزْمِعًا أَنْ يُقَدِّمَهُ، كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ نَائِمًا بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطًا بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَكَانَ قُدَّامَ ٱلْبَابِ حُرَّاسٌ يَحْرُسُونَ ٱلسِّجْنَ. ٧وَإِذَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ أَقْبَلَ، وَنُورٌ أَضَاءَ فِي ٱلْبَيْتِ، فَضَرَبَ جَنْبَ بُطْرُسَ وَأَيْقَظَهُ قَائِلًا: «قُمْ عَاجِلًا!». فَسَقَطَتِ ٱلسِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْهِ. ٨وَقَالَ لَهُ ٱلْمَلَاكُ: «تَمَنْطَقْ وَٱلْبَسْ نَعْلَيْكَ». فَفَعَلَ هَكَذَا. فَقَالَ لَهُ: «ٱلْبَسْ رِدَاءَكَ وَٱتْبَعْنِي». ٩فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ. وَكَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ ٱلَّذِي جَرَى بِوَاسِطَةِ ٱلْمَلَاكِ هُوَ حَقِيقِيٌّ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا. ١٠فَجَازَا ٱلْمَحْرَسَ ٱلْأَوَّلَ وَٱلثَّانِيَ، وَأَتَيَا إِلَى بَابِ ٱلْحَدِيدِ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، فَٱنْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ، فَخَرَجَا وَتَقَدَّمَا زُقَاقًا وَاحِدًا، وَلِلْوَقْتِ فَارَقَهُ ٱلْمَلَاكُ.١١فَقَالَ بُطْرُسُ، وَهُوَ قَدْ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ: «ٱلْآنَ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ ٱلرَّبَّ أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ ٱنْتِظَارِ شَعْبِ ٱلْيَهُودِ».
١. كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ نَائِمًا: لم يُظهر بطرس أي علاماتٍ للتوتر ونام بسلامٍ أيضاً ليلة إعدامه. يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا (مزمور ٢:١٢٧).
٢. بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطًا بِسِلْسِلَتَيْنِ… وَكَانَ قُدَّامَ ٱلْبَابِ حُرَّاسٌ: لم تعني السلاسل والُحراس وأبواب السجن شيئاً بالنسبة لله ولخدامه وهكذا تم إطلاق سراح بطرس على الفور.
٣. وَكَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ ٱلَّذِي جَرَى بِوَاسِطَةِ ٱلْمَلَاكِ هُوَ حَقِيقِيٌّ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا: أطاع بطرس دون أن يعرف حقاً ما يحدث ولكنه كان واثقاً بخطة الله وأن الأمور ستتضح لاحقاً.
٤. وَأَتَيَا إِلَى بَابِ ٱلْحَدِيدِ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، فَٱنْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ: لم يعني وجود الُحراس والجنود والسلاسل وباب الحديد شيئاً عندما كان الله مع بطرس والصلاة وراءه.
- الكثيرون يقلقون بشأن بَابِ ٱلْحَدِيدِ حتى قبل الوصول إليه بفترة طويلة، ولكن وعد الله لنا أنه سيهتم بالباب عند الوصول إليه. فُتح الباب في حالة بطرس مِنْ ذَاتِهِ. تعني الكلمة اليونانية القديمة: automate (أوتوميت) أن البوابات فتحت بشكل أوتوماتيكي أمام بطرس.
- يروي بروس (F.F. Bruce) قصة سوندر سينغ (Sundar Singh) المؤمن من التبت (Tibet) وكيف تحرر أيضاً بأعجوبة من السجن. ألقوه في بئر بسبب كرازته ووضعوا غطاء فوقه وأقْفَلَوه بإحكام. كانت الخطة أن يُترك هناك حتى يموت مع العظام والجثث المتعفنة حوله. سمع في الليلة الثالثة باب البئر يُفتح وصوت يطلب منه أن يتعلق بحبلٍ متدل من فوق. كان سوندر ممتناً لأن للحبل حلقة يمكن أن يضع قدمه فيها لأنه أصاب ذراعه حينما ألقوه بالبئر. صعد إلى أعلى ورأى أن الغطاء والقفل عادا وكأن شيئاً لم يكون وعندما بحث عن الشخص ليشكره لم يجد أحد. وعاد في الصباح إلى نفس المكان الذي سجن فيه وبدأ يكرز ثانية. وصلت أخبار كرازته إلى المسؤول الذي ألقى القبض عليه وتم استدعاء سوندر ثانية. قال المسؤول لا بد أن أحدهم سرق المفتاح وأفرج عنه وعندما بحثوا عن المفتاح وجدوه مُعلقاً على حزام المسؤول نفسه. فلا يزال الله يكتب أحداث سفر أعمال الرسل!
٥. وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ: أنقذ الله بطرس ولكنه لم ينقذ يعقوب (أعمال الرسل ١:١٢-٢) فنحن لا نعرف الأسباب التي تجعل الله يفعل أمور معينة ولكننا نعلم يقيناً أن يعقوب بعدما أرتقى إلى المجد لم يعتبر نفسه خاسراً بأي شكل من الأشكال.
- يمكننا القول ببساطة: لم يكن الوقت قد حان بعد لذهاب بطرس إلى منزله السماوي وإلى أن يأتي الوقت كان بطرس مُحصناً ولن يمسه شيء. كان الوقت ملائماً بالنسبة ليعقوب ولكنه لم يكن كذلك بالنسبة لبطرس.
د ) الآيات (١٧-١٢): جاء بطرس حيث كانوا مجتمعين للصلاة
١٢ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ. ١٣فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ ٱلدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ ٱسْمُهَا رَوْدَا لِتَسْمَعَ. ١٤فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ ٱلْبَابَ مِنَ ٱلْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ ٱلْبَابِ. ١٥فَقَالُوا لَهَا: «أَنْتِ تَهْذِينَ!». وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هَكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: «إِنَّهُ مَلَاكُهُ!». ١٦وَأَمَّا بُطْرُسُ فَلَبِثَ يَقْرَعُ. فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ ٱنْدَهَشُوا. ١٧فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسِّجْنِ. وَقَالَ: «أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ وَٱلْإِخْوَةَ بِهَذَا». ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ.
١. ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ… قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ ٱلدِّهْلِيزِ: ذهب بطرس بطبيعة الحال حيث كان التلاميذ مجتمعين للصلاة من أجله ليخبرهم أن صلواتهم قد استجيبت.
٢. لَمْ تَفْتَحِ ٱلْبَابَ مِنَ ٱلْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ ٱلْبَابِ: كانت رَوْدَا متحمسة جداً لسماع صوت بطرس لدرجة أنها تركته واقفاً عند الباب! النقل الحقيقي والطبيعي للأحداث يعكس الطابع التاريخي الموثوق لسفر أعمال الرسل.
٣.فَقَالُوا لَهَا: «أَنْتِ تَهْذِينَ!»: نتعزى (وربما نستمتع قليلاً) بضعف إيمان هؤلاء المؤمنين. صحيح أنهم كانوا يصلون لله من أجل بطرس ولكنهم لم يصدقوا أنه استجاب فعلاً.
- رفعوا صلواتهم بلجاجة (
أعمال الرسل ٥:١٢) ولكن إيمانهم كان ضعيفاً. يمكن للإيمان البسيط أن يحقق الكثير إن وضع في الله القدير.
٤. «إِنَّهُ مَلَاكُهُ!»: آمن اليهود بفكرة الملاك الحارس وآمن البعض أن الملاك يشبه نوعاً ما الشخص المكلف بحراسته.
٥. «أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ وَٱلْإِخْوَةَ بِهَذَا»: لم يكن يَعْقُوبَ هذا من استشهد قبل فترة بل كان أخو يسوع وهو من الشخصيات البارزة في كنيسة أورشليم.
٦. ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ: لا يذكر لوقا أي شيء آخر عن بطرس باستثناء ما نقرأه بشكل مختصر في أعمال الرسل ١٥. لكننا نعلم أن بطرس تقابل مع بولس لاحقاً في أنطاكية (غلاطية ١١:٢-١٤) وبعد ذلك كتب رسالتيه.
هـ) الآيات (١٩-١٨): إعدام الحراس الذين كانوا يحرسون بطرس
١٨فَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ حَصَلَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بَيْنَ ٱلْعَسْكَرِ: تُرَى مَاذَا جَرَى لِبُطْرُسَ؟ ١٩وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا طَلَبَهُ وَلَمْ يَجِدْهُ فَحَصَ ٱلْحُرَّاسَ، وَأَمَرَ أَنْ يَنْقَادُوا إِلَى ٱلْقَتْلِ. ثُمَّ نَزَلَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَقَامَ هُنَاكَ.
١.حَصَلَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ: لا يصف هذا التعبير حقيقة ما حدث بالفعل. استشاط هيرودس غضباً لأن أسيره قد هرب.
٢.فَحَصَ ٱلْحُرَّاسَ، وَأَمَرَ أَنْ يَنْقَادُوا إِلَى ٱلْقَتْلِ: كان قتل الحراس مألوفاً في تلك الأيام. وعندما يهرب سجين من أحد الحراس كان عليه أن يتحمل عقوبة ذلك السجين. وفي حالة بطرس كان العقاب هو الموت.
ثالثاً. حكم الله على هيرودس المجدف وبركته على الكنيسة الخاضعة
أ ) الآيات (٢١-٢٠): خاطب هيرودس أهل صور وصيدا الذين كانوا يلتمسون رضاه
٢٠وَكَانَ هِيرُودُسُ سَاخِطًا عَلَى ٱلصُّورِيِّينَ وَٱلصَّيْدَاوِيِّينَ، فَحَضَرُوا إِلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَٱسْتَعْطَفُوا بَلَاسْتُسَ ٱلنَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ ٱلْمَلِكِ، ثُمَّ صَارُوا يَلْتَمِسُونَ ٱلْمُصَالَحَةَ لِأَنَّ كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُورَةِ ٱلْمَلِكِ. ٢١فَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَبِسَ هِيرُودُسُ ٱلْحُلَّةَ ٱلْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُمْ.
ب) الآيات ( ٢٣-٢٢): قَبِلَ هيرودس مديح أهل صور وصيدا ونزلت عليه دينونة الله الذي رفض تمجيده
٢٢فَصَرَخَ ٱلشَّعْبُ: «هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ!». ٢٣فَفِي ٱلْحَالِ ضَرَبَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ ٱلْمَجْدَ لِلهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ ٱلدُّودُ وَمَاتَ.
١. «هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ!»: يبحث البشر دائماً عن مخلصين سياسيين ويبدو أن أهل صور وصيدا مجدوا هيرودس كإله. استمتع هيرودس بهذا التكريم ولم يرفضه (لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ ٱلْمَجْدَ لِلهِ).
٢. فَصَارَ يَأْكُلُهُ ٱلدُّودُ وَمَاتَ: كان موت هيرودس ملائماً لحالته الروحية فقد كان فاسداً من الداخل والخارج. وصف يوسيفوس المؤرخ اليهودي العريق في كتاباته إلى العالم الروماني موت هيرودس بتفاصيل مملة.
- دخل هيرودس المسرح في الصباح الباكر وهو يرتدي ثيابه الرائعة المصنوعة بالكامل من الفضة، وعندما لمع ثوبه الفضي في ضوء الشمس أصاب الرعب قلوب الحاضرين، ثم ابتدأ المجاملين يصرخون من كل ناحية: “أنه إله … إنه إله.” وفجأة بدأ هيرودس يشعر بألم شديد في بطنه وبدأ يتلوى من شدة الوجع وبعد خمسة أيام من الألم الشديد مات وغادر هذه الحياة. (Antiquities, XIX.٨.٢)
ج) الآيات (٢٥-٢٤): استمرت الخدمة دون أية معوقات
٢٤وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱللهِ فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ. ٢٥وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلَا ٱلْخِدْمَةَ، وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ.
١. وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱللهِ فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ: كان التناقض بين هيرودس والكنيسة واضحاً للغاية. ظنَّ هيرودس أنه يملك السلطان ضد شعب الله ولكن الله بيّن أنه صاحب السلطان الحقيقي. وقعت الدينونة على هيرودس أما الكنيسة فحصلت على البركة.
- كان هيرودس معانداً لله. قتل يعقوب ولكنه لم يُعطل خطة الله. اعتقل بطرس ولكن صلاة الكنيسة بلجاجة أنقذت بطرس واستمرت الخدمة.
- حاول الكثيرين مقاومة الله عبر التاريخ واعتقدوا أنهم نجحوا بذلك، ولكن حياتهم المدمرة ما هي إلا دليل على استحالة ذلك. مثلاً: أصيب فريدريك نيتشه (Friedrich Nietsche) الفيلسوف الذي اخترع تعبير: “الله ميت” وأن المسيحية ما هي إلا ديانة للضعفاء، بالجنون وقضى السنوات الأخيرة من عمره على تلك الحالة. توفي سنكلير لويس (Sinclair Lewis)، الحائز على جائزة نوبل للأدب وكتب كتاب بعنوان إلمر غانتري (Elmer Gantry) يتحدث فيه عن مؤمن مدمن كحول يعاشر كل إمرأة يراها، كمدمن كحول بائس في عيادة بالقرب من روما. عاش الكاتب إرنست همنغواي (Ernest Hemingway) حياة مليئة بالمغامرة والخطية دون الاكتراث بالعواقب إلى أن أطلق النار على نفسه. مقاومة الله غير مجدية على الإطلاق.
٢. وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ: عندما رجع برنابا وشاول من أورشليم (
أعمال الرسل ٣٠:١١) أحضرا معهما إلى كنيسة أنطاكية يوحنا مرقس.